للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

عندي على ظاهرِه. وحاصله: أن مُدْرِك الرَّكعة يعدُّ مدركًا للصَّلاة في نظر الشرع، ومَنْ أَدْرَك ما دونها فإِنَّه لا يُعدُّ مُدرِكًا لها، وإِنْ أَدْرَكَ فَضْلَ الجماعة.

والرابع: ما عند العيني عن الدَّارَقُطْني: «مَنْ أَدْرَكَ من صلاةٍ رَكعة قَبْل أَنْ يُقِيم الإِمام صُلْبَهُ فقد أَدْرَكها». فإِذا جعلوا هذه الأربعة في حقِّ المسبوق، جعلتُ حديث الباب أيضًا فيه، ثمَّ هو عندي مضمونٌ واحِدٌ، ذَكَرَهُ النبي صلى الله عليه وسلّم مِرَارًا في أوقاتٍ مختلفة بطُرُق مختَلِفة، فهي إذن أحاديث لا أَنَّها حديث واحد، والاختلاف مِنَ الرواة وإِنْ أمكن فيه دعوى الاتحاد لكنه خلاف الوجدان.

ثم إنَّه قَدْ ظَهَرَ عندي بعد السبر، أَنَّ الشرعَ أَقامَ لذلك بابًا مستقلا، وعَدَّ مُدرِكَ الرَّكعة مُدْرِكًا للجماعة وكان مُهمًا، ولم يتعرض في موضعٍ إلى إجرَاءِ هذا الباب في المواقيت، فلم يَظْهَر لي بعدُ أَنَّ المُدْرِك لجُزْءٍ مِنَ الوَقْتِ مُدرِكٌ للوقت عنده أم لا؟ فإِذا لم يَظْهَر هذا الباب إلا في إدراك الجماعة كيف يَسُوغُ حملُه على المواقيت؟ فلا يكون إلا في حق المسبوق. فافهمه بالتفكُّر التام.

ثم ما يدلك على أَنَّه في حق المسبوق دون الوقت أنَّه تعرض فيه إلى الرَّكعة ولو جاء في الوقت لتعرَّض إليه، وإنَّما تَوَهَّمَ كونه في مسألة المواقيت من أجل قوله: «قبل أَنْ تَطْلُعَ الشمسُ» فَفَهِمَ منه أَنَّ الرَّكعة قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشمس مع أَنَّه يَتَعلقُ بالفعلِ على معنى: مَنْ أَدْرَكَ الصبح قَبْل أَنْ تَطْلُعَ الشمسُ، لا أَنَّ تلك الرَّكعة قَبْل أَنْ تَطْلُعَ كما فُهِم.

ويتأتي هذا الشرح في جملة ألفاظه بلا كلفة ففي لفظ: «فقد أَدْرَكَ الصَّلاة» وفي لفظ: «فليصلِّ إليها رَكعةً أخرى» وفي معناه: «فليضف» وفي لفظ: «فليتم صلاته». فهذه كلها صادقة في حقِّ المسبوق. نعم، ههنا لفظٌ آخر أخرجَهُ الحافظُ رحمه الله تعالى من البيهقي يهدِمُ الشرحَ المذكور ولفظه: «مَنْ أَدْرَكَ مِنَ الصبح رَكعة قَبْلَ أَنْ تَطْلُع الشمسُ ورَكعَة بعد ما تَطْلُع الشمس فقد أَدْرَكَ الصَّلاة» انتهى. وهذ صريحٌ في أَنَّ الحديث في الوقت لا في حق المسبوق، وأَنَّ الرَّكعةَ هي بعد طُلوعِ الشمس.

قلتُ: وهذه القِطعة من «الكبرى» موجودة عندي، ولم أجد فيه ما نَقَلَهُ الحافظُ رحمه الله تعالى، ثمَّ الشوكاني نَقَلَه في «النيل» عن «الفتح» وحذف حوالة البيهقي، ولعلَّه أيضًا راجعٌ إليه فلم يجدها فيه، ولذا حَذَفَ الحوالة. ولكنَّ الحافظ رحمه الله متقنٌ مُتَثَبِّتٌ في النقل عندي فلعلَّهُ يكون في نسخة منه عنده البتة. فالوجه فيه عندي: أَنَّ الحافظَ رحمه الله تعالى سها فيه، حيث نقلهُ إلى مسألة المواقيت مع أنَّه حديث آخر جاء في رَكعتي الفجر، واختصر فيه الرازي اختصارًا مخلاًّ، وهو في الحقيقةِ ليس من ألفاظِ هذا الحديث، والحديث على وجهه كما أخرجَهُ الترمذي عن أبي هريرة مرفوعًا: «مَنْ لم يصلِّ رَكعتي الفجر فليصلهما بعد ما تطلع الشمس». انتهى. وصححه الذهبي فأصلُ الحديث كان هكذا فغيروه كما ترى.

والدليلُ عليه: أَنَّ هذا الحديث موجودٌ عندي بإِحدى وعشرين طريقًا:

خمس في «المسند»، وخمس في الدَّارَقُطْني، وثلاث في البيهقي، وطريقان في «الصحيح

<<  <  ج: ص:  >  >>