للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

لابن حِبَّان» وطريقان في «المستدرك» وطريق في «الطبقات» للذهبي، وطريق في «كبرى النسائي» وطريق في الطحاوي، وطريق في الترمذي، ومدار الكُلِّ فَتادةُ، والصحابي فيها أبو هريرة.

ثم بعضهم يُصَرِّحُ فيه بمسألةِ أداء رَكعتي الفجر بعد الطُّلُوع. وآخرون يبهمون فيه، وينقلون لفظه قريبًا مما نَقَلَهُ الحافظُ رحمه الله تعالى، وهؤلاء أَرَادُوا مِنَ الرَّكعةِ الصَّلاة، فالرَّكعة قبل الطلوع هي صلاة الفجر، وبعد الطُّلوع هي سُنَّة الفجر، وربما يَقَعُ التخليط مِنَ الرُّواة. ومثله يفهمه المجرب وتنبه عليه الحافظ أيضًا في «تهذيب التهذيب» تحت ترجمة عَزْرَة بن تميم وأخرجه عن أبي هريرة رضي الله عنه بلفظ: «إذا صلَّى أحدُكم رَكعة من الصبح ثمَّ طلعت الشمس فليصلِّ إليها أخرى» انتهى. ثم قال: قال الخطيب: لا يحفظ له عن أبي هريرة رضي الله عنه سوى هذا، وتفرَّد عنه قتادة بالرِّواية ولم يُنبِّه عليه في «الفتح» (١).

ثم ما يَدلُّك على أَنَّه في رَكعتي الفجر دون العصرِ أنَّه ليس في أحد من طُرُقِه ذِكْر العصر، بل في كلِّها ذِكْر الفجر فقط، وذلك لأنَّه لمَّا كان وَرَدَ في سُنَّةِ الفجرِ لم يَذْكُر فيه العصر، ولو كان هذا هو الحديث العام لجاء فيه ذِكْرُ العصر أيضًا في طريق من طرقه (٢). فإِن قلتَ: إذا كان الأمرُ كما وصفتَ من كونِ الحديثِ في حق المَسْبُوقِ فما نُكتة ذِكره. قبل أن تطلع الشمس وقبل أن تغرب الشمس.

قلتُ: أمَّا أَوَّلا: فلأنَّ أواخر أوقاتِها متعينة بالحسِّ، بخلاف سائرِ الأوقات، فإِنَّه لم يَرِد فيه غير التقريب مع أنَّه قد وُقِّت بهما في القرآن أيضًا قال تعالى: {وَسَبّحْ بِحَمْدِ رَبّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ} [ق: ٣٩] فكان عُنْوَانًا لهاتين الصَّلاتين، فجاء في الحديث أيضًا تبعًا للقرآن.

وأمَّا ثانيًا: فلدفع إيهامِ أَنْ يُصلِّي رجلٌ رَكعة قبل الطُّلوعِ، ورَكعة بعدَه، ويصيرُ بذلك مُدْرِكًا للصَّلاة، فَقيَّد بكون الصبحِ قَبْل الطُّلوعِ، وصرَّح أَنَّه يكون مُدرِكًا لها بإِدراكها في الوقت،


(١) قلتُ: وأخرجه الترمذي ما لفظه: عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا "من لم يُصلِّ رَكعتي الفجر فليصلهما بعد ما تطلع الشمس". ثمَّ قال ولا نَعْلَم أحدًا روَى هذا الحديث عن همام بهذا الإِسناد نحو هذا إلا عمرو بن عاصم الكلابي والمعروف من حديث قَتادة عن النَّضْرِ بن أنس عن بشير بن نَهِيك عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من أَدْرَكَ رَكعةً من صلاةِ الصبحِ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشمسُ فقد أَدْرَك الصبح". انتهى. فقلتُ لشيخي رحمه الله تعالى: إنَّ كلامَه هذا يدلُّ على أنَّه واقعٌ بين هذين الحديثين بعض تخليط من الرُّواة إلا أَنَّ الترمذي جَعَلَ المسألةَ فيه: من أدْرَكَ ركعةً من الصلاةِ فقد أَدْرَكَ" وحملته على ركعتي الفجر، فسكت عليه بحيث فَهِمْتُ أنَّه قرَّرَهُ.
(٢) قلتُ: لكن أَخْرَجَ العيني والحافظُ رحمهما الله تعالى مِنْ ألفاظِه ما فيه ذلك، ولست من العصر أحفظُ فيه شيئًا عن شيخي رحمه الله تعالى. والله تعالى أعلم. ففي العيني، وعند السراج "من صلَّى بسجدةٍ واحدةٍ قَبْلَ غُروبِ الشمس ثُمَّ صلَّى ما بقي بعد غروبِ الشمس فلم يفته العصر". انتهى إلا أن لا يكون هذا مِن ألفاظ النبي - صلى الله عليه وسلم - ويكون فتوى من جهة الرَّاوي، فاختلط بالمرفوع، فروى تارة مقتصرًا عليه وتوهم كونه مرفوعًا. ولعلَّ الشيخ أشارَ إلى جواب مثل هذه الأحاديث فيما مر، وقد سقط مني بعضُ الكلامِ من هذا المقام فبقي فيه قَلَق بعد.

<<  <  ج: ص:  >  >>