والسلطان، أمرهم بالصبر حتى يُتَخَيَّلَ أن الحقَّ كلَّه عليهم.
والوجهُ فيه قد ذَكَرْنَاه بأنه قد سَلَكَ فيه مسلكًا يقوم به النظام، فَأَقَامَ لكلَ بابًا، فجعل من وظيفة الرعية الصبر، وجعل من وظيفة الإِمام العدل مهما أمكن، ثم وعد كلًّ بترك وظيفته، ولو ترك الأمرَ إلى العوام لَفَسَدَتِ الأرض. نعم إذا رَأَوْا منه كفرًا بَوَاحًا لا يبقى فيه تأويلٌ، فحينئذٍ يَجِبُ عليهم أن يَخْلَعُوا رِبْقَتَهُ عن أعناقهم، فإنَّ حقَّ اللَّهِ أَوْكَدُ. ثم هل من طاقة البشر أن لا يختار إلَّا حقًّا في جميع الأبواب، فإذا تعذَّر أخذ الحقِّ في جميع الأبواب - وإن أَمْكَنَ ذهنًا - لا بُدَّ أن يُحدَّ له حَدٌّ، وهو الإغماضُ في الفروع، فإذا وَصَلَ الأمرُ إلى الأصول حَرُمَ السكوتُ، ووجب الخَلْعُ. وهو معنى قوله:«وإن أُمِّرَ عليكم عبدٌ حبشيٌّ»، فافهم.
٧٠٥٤ - قوله:(مَنْ فَارَقَ الجَمَاعَةَ شِبْرًا) ... إلخ، قد احتجَّ به الأصوليون على حُجِّية الإِجماع. وفيه نظرٌ، فإن تلك الأحاديث وَرَدَتْ في إطاعة الأمير، فالجماعةُ فيه، هي الجماعةُ مع الأمير، كما في لفظٍ آخر عند المصنِّف:«تَلْزَمُ جماعةَ المسلمين وإمامَهم»، وحينئذٍ فالتمسُّكُ به على حُجِّية الإِجماع في غير محله. فعلى الأصوليين أن يتصرَّفوا في تقريرهم.
٣ - باب قَوْلِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم -: «هَلَاكُ أُمَّتِى عَلَى يَدَىْ أُغَيْلِمَةٍ سُفَهَاءَ»