على ثمانين، ويَمْكُثُ في الأرض أربعين. وقد مَضَى منها ثمانون، فبَقَيَ أربعون. وهو معنى قوله صلى الله عليه وسلّم «وإن عيسى عليه الصلاة والسلام عاش مئةً وعشرين، ولا أُرَاني ذاهبًا إلا على ستين» - بالمعنى، يعني به نصف مجموع عمر عيسى عليه الصلاة والسلام. وإنما قال:«عاش» - بصيغة الماضي - لكون أكثره ماضيًا، ونزولُه معلومًا. وإنما لم يَفْصِلْ بين ثمانين وأربعين، لأن المقصودَ كان بيان التنصيف، والإِجمالُ في مثله شائعٌ.
ثم إن التنصيفَ باعتبار أُولِي العَزْمِ من الأنبياء عليهم السلام الذين جَرَى بذكرهم التأريخ، أو بحسب المجموع، لا بِحَسَبِ الأشخاص والأفراد، فاعلمه. وهو الذي يُنَاسِبُ، فإن الحسابَ يكون باعتبار الوقائع المهمة، وبها يَنْضَبِطُ التاريخ (١).
١٠٣ - باب لَا يُذَابُ شَحْمُ الْمَيْتَةِ وَلَا يُبَاعُ وَدَكُهُ
رَوَاهُ جَابِرٌ - رضى الله عنه - عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم -.
٢٢٢٤ - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ «قَاتَلَ اللَّهُ يَهُودًا حُرِّمَتْ عَلَيْهِمُ الشُّحُومُ فَبَاعُوهَا، وَأَكَلُوا أَثْمَانَهَا». قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: قَاتَلَهُمُ اللهَ: لَعَنَهُمْ. {قُتِلَ}: لُعِنَ. {الْخَرَّاصُونَ}[الذاريات: ١٠]: الكَذَّابُونَ. تحفة ١٣٣٣٧ - ١٠٨/ ٣
الشحمُ: ما كان مُنْفَصِلا عن اللحم، وما كان داخلا في اللحم، فهو وَدَكٌ.
٢٢٢٣ - قوله:(بلغ عُمَرَ أن فُلانًا بَاعَ خَمْرًا)، وقصته أن سَمُرَة كان عَاشِرًا من جانب عُمَرَ، فمرَّ عليه الذميُّ بالخمر، فأخذ منه العُشْرَ، فَبَلَغَ ذلك عُمَرَ، وقال كما في الحديث. وفيه زيادة ذكرها الحافظ في «الفتح»: أن عمر قال: «وَلُّوهم بيعَها». اهـ. وهذا وإن كان في مسألة العُشْرِ، لكنه دَلَّ على أن مسلمًا لو وَكَّلَ ذميًا ببيع خمرٍ، طاب له ربحُهُ.
(١) قلتُ: وهذا عندي على حدِّ قوله: "أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين، مع أن فيها من يُجَاوِزُهَا، ومن يَقْصُرُ عمره عنها. فإذن هو حكمٌ بالنظر إلى المجموع، دون الأشخاص. ثم تبيَّن لي: أن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - لو قُدِّرَ بعده نبي، لكان عمره ثلاثين على الحديث المذكور، وإذا لم تكن بعده نبوة، بل كانت خلافة، قدر أن تكونَ الخلافةُ على منهاج النبوة ثلاثين سنة، لأنه عمر النبيِّ لو قُدِّرَ بعده، فصارت تلك مدَّة الخلافة لذلك. والله تعالى أعلم. ولو كان لعين القاديان نبيًا، لوجب أن يكون ذلك عمره، ولكن الشقيَّ جَاوَزَ السبعين، فهذا الحديث جَمْرَةٌ في فِيهِ، فَلْيُحْرَقْ بها فمه، أعادْنا الله من الكفر والضلال.