طريق نَظِيره. ولما كانت الآيةُ الأُولى مُركَّبةً من قَضَيَّتَين سالِبَتَيْن، دَعت الضرورةُ إلى مُوجَبة، للامتثال بها، فزاد فيها قَوْله:{وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا} وعيّن منه ما كان المرادُ، بخلاف الآية الثانية، فإِنَّ طرفًا منها إيجابيٌّ، وهو قوله:{وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ} فاكتفى به، فاقتصر فيها على النهي عن الإِفراط فقط. وبالجملةِ مُحصَّل الآيتينِ النهيُ عن غايةِ الجهر، وغاية الإِسرار، والأمُر باتخاذ سبيلٍ بين سبيلين في الصلوات الخَمْس، بما ناسب منها.
ثُم إنِّي عَدَلْت إلى هذا التفسيرِ لتخرج الآيةُ عن مسألةٍ مختَلَفٍ فيها، وهي وجوب الجَهْر في الجهرية، والإِسرار في السِّرِّية، فإِن الأئمة الأخر ذَهبوا إلى سُنِّيته. وإنْ كان المصلِّي منفرِدًا، ففيه خلافٌ بين الحنفيةِ أيضًا، ففي قَوْلٍ هو مُخيَّر، فهؤلاء جعلوا الجَهْرَ من خصائصِ الجماعة، فإِذا كانت المسألةُ حالها هذا، فسرت الآية بما سمعت، لئلا تدل على مطلوبيةِ الجَهْر، والإِسرار، وقد عَلِمت مِن قبل أنَّ عائشةَ حَمَلَتها على الدُّعاء، ولَعلَّه لذلك العسر الذي عَلِمته آنفًا، والله تعالى أعلم.