قلتُ: بل المرادُ به مَوْضِعُ سجودِه وإلا لا يَبْقَى بينَه وبين القِبْلَة فُسْحَة لسجوده.
٤٩٧ - قوله: (كان جدارُ المسجدِ عند المنبر: وإنَّما تَعَرَّض فيه إلى ذِكْرِ المنبر، لأنَّه معلوم مِنْ عَمَل الأمه أنها تُصَلِّي في يسار المنبر، فليقدر الفاصلة مما بين المنبر وجدار القِبْلة. وفي «الوفاء» للسَّمْهُودي أَنَّ وضع المنبر كان منحرفًا ولم أعرف السر فيه وقد يخطر بالبال أَنَّه رَاعَى فيه جهة القِبْلَة، فكره أَنْ يستدْبِرَها عند الخُطْبَةِ وغيرِها، فَوَضَعَهُ منحرفًا عن جِهَتِها لهذا والله تعالى أعلم.
وفي إسناده مكي بن إبراهيم وهو اسم راوٍ وليست نسبته إلى شيء، وهو تلميذُ أبي حنيفةَ رحمه الله وأَظنُّ أنَّه حنفي أيضًا وأكثر ثلاثيات البخاري بإسنادِهِ.
٩٤ - باب السُّتْرَةِ بِمَكَّةَ وَغَيْرِهَا
٥٠١ - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الْحَكَمِ عَنْ أَبِى جُحَيْفَةَ قَالَ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِالْهَاجِرَةِ فَصَلَّى بِالْبَطْحَاءِ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ رَكْعَتَيْنِ، وَنَصَبَ بَيْنَ يَدَيْهِ عَنَزَةً، وَتَوَضَّأَ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَتَمَسَّحُونَ بِوَضُوئِهِ. أطرافه ١٨٧، ٣٧٦، ٤٩٥، ٤٩٩، ٦٣٣، ٦٣٤، ٣٥٥٣، ٣٥٦٦، ٥٧٨٦، ٥٨٥٩ تحفة ١١٧٩٩ - ١٣٤/ ١
قال الطَّحاوي في مشكِله إِنَّه لا بأْسَ بمرورِ الطَّائِفين أَمَامَ المُصَلِّي عند البيت لأنَّ الطَّواف بالبيتِ صلاة، ولا تُوجَد تلك المسألة في المذاهب الأربعة إلا عند الطَّحاوي. وهذا الباب ناظرٌ إليها إلا أَنَّ الصَّلاة في الحديث كانت على نحو ميل من مكة، ومسألة الطَّحاوي في داخل المسجد. وكانت تلك المسألة مهمة فَتَعَرَّض لها المصنِّف رحمه الله تعالى وترجم عليها.
٩٥ - باب الصَّلَاةِ إِلَى الأُسْطُوَانَةِ
وَقَالَ عُمَرُ الْمُصَلُّونَ أَحَقُّ بِالسَّوَارِى مِنَ الْمُتَحَدِّثِينَ إِلَيْهَا. وَرَأَى عُمَرُ رَجُلاً يُصَلِّى بَيْنَ أُسْطُوَانَتَيْنِ فَأَدْنَاهُ إِلَى سَارِيَةٍ فَقَالَ صَلِّ إِلَيْهَا.
٥٠٢ - حَدَّثَنَا الْمَكِّىُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِى عُبَيْدٍ قَالَ كُنْتُ آتِى مَعَ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ فَيُصَلِّى عِنْدَ الأُسْطُوَانَةِ الَّتِى عِنْدَ الْمُصْحَفِ. فَقُلْتُ يَا أَبَا مُسْلِمٍ أَرَاكَ تَتَحَرَّى الصَّلَاةَ عِنْدَ هَذِهِ الأُسْطُوَانَةِ. قَالَ فَإِنِّى رَأَيْتُ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - يَتَحَرَّى الصَّلَاةَ عِنْدَهَا. تحفة ٤٥٤١
قوله: (صلِّ إليها) يعني صلِّ إلى الأُسْطُوَانَة جاعلا إياها سُتْرَة، ولا تُصَلِّ في البين. وكان النَّبي صلى الله عليه وسلّم يُصلي إلى أُسْطُوَانتِه في اعتكافِه، واستفيدَ منه أنَّ الصَّلاةَ إلى الأُسْطوانةِ مطلوبة من المنفرِد لئلا يَتَحَرَّج بها المارُّون. وفي «مِعْرَاج الدِّرَاية شرح الهداية» - وهو غير مطبوع: أَكْرَهُ للإِمام أنْ يقوم بين السَّارِيَتَيْنِ. ونَقَل الشوكاني عن أبي حنيفةَ رحمه الله تعالى في «النيل»: أَنَّ المُنْفَرِد يُصَلِّي بين السَّارِيَتَيْن بلا كَرَاهة، والمقْتَدون إِنْ كانوا اثنين فقيامُهما بين السَّارِيَتَيْن مَكْروهٌ أيضًا وإلا لا، لكونهم أذن صفًا. ولعل التفقه فيه أَنَّ الاثنين قِطعة مِنَ الصَّف فلم انفردا عنه، وأَمَّا الثلاث فما فوقَه فصفُّ مستَقِل فلا يُكْرَه ولم أَجِدْ هذه المسألة إلا في كتاب الشوكاني ولم يَكْتُب أَنَّه مِنْ أين أخذها، وأقول بعد التَّجرِبة أَنَّ مَذْهَبَ الحنفية ليس محققًا عند الشوكاني فلا