وإن لم يَقُلْهُ أحدٌ من الفقهاء، لكني أخذته من الأحاديث. وقد مرَّ التنبيهُ على أن التعارضَ بين الأَدِلَّة قد يُوجِبُ التخفيف في المقام. فإذا وَرَدَ النهيُ عنها في قوله:«أَفْطَرَ الحَاجِمُ والمَحْجُومُ»، مع ثبوتها عن النبيِّ صلى الله عليه وسلّم أوْرَثَ التخفيف، ودَلَّ على ثبوت المراتب. وأن المرادَ من الإِفطار هو الإِفطارُ في النظر المعنويِّ، كما في الغِيبة، فإن الشَّرْعَ سمَّاها أكلا، قال تعالى:{أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ}[الحجرات: ١٢]. ثم لم يَحْكم الفقهاءُ أن صومَ من اغتاب فاسدٌ، فكذلك في الحِجَامة. ولو لم يَثْبُت عندنا خلافه لقُلْنَا بفساده من الحِجَامة، كما ذَهَبَ إليه أحمد.
وفي «حاشية ما لا بُدَّ منه» - رسالةٌ للقاضي ثناء الله المحدث الفاني فتى - عن «جامع الفتاوى»: أن الصَّوْمَ حال الجنابة مكروهٌ. ولم أره في غيرها، ولعلَّ المرادَ منها الكراهة بحَسَب الحقيقة، دون الكراهة عند الشرع. كيف وقد ثَبَتَ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلّم أنه أصبح جُنُبًا، وصام. وقد استدلَّ عليه محمد في «موطئه» من قوله تعالى: {فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ}[البقرة: ١٨٧] إلخ، حيث رخَّص فيه بالجِمَاع وغيره إلى طلوع الفجر، ومن لوازمه صومُه مع الجَنَابة، فإنه لا يَغْتَسِلُ إذن إلا بعد الفجر، والشرع لم يُكَلِّفْهُ بالغُسْل قبله.
٢٣ - باب الْمُبَاشَرَةِ لِلصَّائِمِ
وَقَالَتْ عَائِشَةُ - رضى الله عنها - يَحْرُمُ عَلَيْهِ فَرْجُهَا.