مواضعها جنبًا إلا أن تكونوا مسافرين، فوافقتُ االشافعية في التفسير، والحنفية في المسألة، وكثيرًا ما فعلته في مواضع.
أما الجواب عن الحديث فقد مرَّ معنا في باب الاستقبال والاستدبار: أنه يجوز أن يكون من خصائصه صلى الله عليه وسلّم لِمَا عند الترمذي في مناقب علي رضي الله عنه: عن أبي سعيد مرفوعًا: «لا يَحِلُّ لأحدٍ غيري وغيرك أن يُجْنِبَ في المسجد»(بالمعنى) واستغربه الترمذي، وعدَّه ابن الجوزي في الموضوعات. قال الحافظ رضي الله عنه: إن الحديث قوي، وأخرج له متابعات، وقد مرض من قبلُ مفصَّلًا فراجعه.
فائدة: واعلم أن الروايات إذا اختلفت عن إمامنا في مسألة، فعامة مشايخنا يسلكون فيها مسلك الترجيح، فيأخذون بظاهر الرواية ويتركون نادِرَها، وليس بسديد عندي ولا سيما إذا كانت الرواية النادرة تتأيد بالحديث، فإِني أحمله على تلك الرواية، ولا أعبأ بكونها نادرة، فإِنّ الرواية إذا جاءت عن إمامنا رحمه الله تعالى لا بد أن يكون لها عنده دليل من حديث أو غيره، فإِذا وَجَدتُ حديثًا يوافقها أحمَلُه عليها.
نعم، الترجيح إنما يناسب بين الأقوال المختلفة عن المشايخ، فإِن التضاد عند اختلاف القائلين معقول، وربما يكون التوفيق بينهما خلافَ منشئهم، وحينئذ لا سبيل إلا إلى الترجيح، بخلاف ما إذا جاء الاختلاف عن قائل واحد، فإِنّ الأَولى فيها الجمع، فإِن الأصل في كلام متكلمٍ واحد أن لا يكون بين كلاميه تضاد، فينبغي بينهما الجمع أوّلًا، إلا أن يترجح خلافه، والأسف أنهم إذا مروا بأحاديث مختلفة يبتغون الجمع بينها عامة، وإذا مروا بروايات عن الإِمام إذا هم برجِّحون ولا يسلكون سبيل الجمع، فالأحب إليَّ الجمع بين الروايات عن الإِمام مهما أمكن، إلا أن يقوم الدليل على خلافه، فاعلمه ولا تعجل.