يُوجِبَ تغييرًا لعقيدة السلف، هو الذي يُعَبَّر عنه بالتفسير بالرأي. وإلا فإن كُنْتَ عَارِفًا باللغة. وبالأدوات التي لا بُدَّ منها لبيان مراد القرآن، فَلَكَ أن تفسِّره بما رَأَيْتَ، ما لم يُؤَدِّ إلى تغييرٍ في عقيدةٍ، أو تبديلٍ في مسألةٍ مُسَلَّمةٍ.
هذا، فإذا رأيتَ أنهم سَلَكوا هذا المسلك أنكرتَ النَّسْخَ رأسًا. وادَّعَيْتَ أن النَّسْخَ لم يَرِدْ في القرآن رأسًا - أعني بالنسخ: كون الآيةُ منسوخةً في جميع ما حَوَتْهُ بحيث لا تَبْقَى معمولةً في جزئيَ من جزئياتها - فذلك عندي غير واقعٍ. وما من أيةٍ مَنْسُوخَة إلا وهي معمولةٌ بوجهٍ من الوجوه، وجهةٍ من الجهات، وإليه أشار مُعَاذ (١) في آخر حديثه المارِّ بقوله: «وثَبَتَ الطعامُ في الشيخ الكبير ... إلخ، أي إن حكم الفِدْيَة في حقِّ هؤلاء إنما هو تحت هذه الآية. قلتُ: والفِدْيَةُ عندنا باقيةٌ في ست مسائل، ذكرها الفقهاءُ.
وبالجملة إن جنسَ الفِدْيَة لم يُنْسَخْ بالكُلِّية، فهي باقيةٌ إلى الآن في عِدَّة مسائل. وليس لها مَأْخَذٌ عندي غير تلك الآية، فدَلَّ على أنها لم تُنْسَخْ، بمعنى عدم بقاء حكمها في محلَ ونحوه.
وقد فسَّرْنَا بقيةَ الآيات أيضًا:{وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ}[البقرة: ١٨٥] إلخ، إشارة إلى تكبيرات العيدين. ونقل الطحاويُّ عن السلف: أنهم كانوا يَجْهَرُون بالتكبير في عيد الفِطْرِ أيضًا، وإن لم يكن في كُتُب الفِقْه. فاحْتَوَتِ الآيةُ على ما فسَّرْنَاها: على الحكم في الأيام المعدودات، وبيان الرُّخْصَةِ فيها بالفِدْيَةِ، ومسألةِ المريض والمسافر، وافتراضِ رمضان، وبقاءِ الرُّخْصَةِ للمريض والمسافر، مع عدم بقاء الفِدْيَةِ للمُطِيقِ، وسُنَّةِ التكبير عند الذهاب إلى المُصلَّى، أو مطلقًا، فاحفظه. فإن المُفَسِّرين أطالوا الكلامَ فيها، فإنه أَشْكَلَ عليهم حكمُ الفِدَاء للمُطِيقِ، وتكرار الآية، فاضْطَرُّوا إلى التوجيهات. وفيما قرَّرنا لك غُنْيَةٌ عنها.
١٨٩١ - قوله:(فأَخْبَرَهُ رسول الله صلى الله عليه وسلّم شرائعَ الإِسْلامِ)، قد مرَّ الكلامُ فيه في «كتاب الإِيمان» مبسوطًا، فراجعه.
(١) وعند الطحاويِّ في "مشكله" عن ابن عباس يقول: " {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} ليست بمنسوخةٍ، وهو الشيخُ الكبيرُ، والمرأةُ الكبيرةُ، لا يستطيعان أن يَصُوما، فَيُطْعِمَان مكان كل يومِ مسكينًا". اهـ. وهكذا قال ابن العربي في "العارضة".