يقتصر النهي على المسجد الحرام، لأنه ليس من ضرورة العموم في الأفراد العموم في الأمكنة أيضًا ليعمَّ النهي سائر المساجد، وعُلِم من هذا الاختلاف أن العموم في الأفراد قويٌّ، وأما في الأمكنة وغيرها فضعيف، حتى أنكره بعضهم كما علمتَ.
وهكذا يعلم من كتبنا أنهم اعتبروا نجاستهم فوق نجاسة الشرك ففي «البدائع» عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى في البئر سقط فيه كافر ثم أُخرج حيًا أنه يُنْزَح كله، وكذا لو أسلم الكافر يجب عليه الغُسل في رواية، كذا في «الذخيرة» عن الحسن بن زياد، فدلّ على أن نجاسة هؤلاء أزيدُ من نجاسة الشِّرْك، إلا أنه لا يُدرى أنه إلى أين تجري وأين تُكَفُّ. وأجاب ابن رُشْد عن الإشكال المذكور: أن إطلاق النَّجَس عليهم أُجْرِي مجرى الذَّمِّ، فالله سبحانه وتعالى بالغ في ذمهم ونزَّلهم منزلةَ النَّجَس، لا أنهم أنجاسٌ حقيقةً، فلا يَرِدُ عليه شيء.
والحاصل: أن ههنا أربعة أجوبة:
الأول: أنَّ المراد من النجاسة نجاسة الشِّرك، وهذا لا ينفع في المسألة الثانية لصراحة الحكم بعدم القُرْبِ، على أنه حُمِل اللفظ على الغير المعروف، والمعروف هو النجاسة المتعارَفة التي تتقذرها الطبائع، ثم إنه لا يرتبط بالمسائل، لأن ما في الفقه يدلُّ على أن نجاستهم فوق نجاسة الشرك، لتعلق بعض أحكام النجاسة بأبدانهم أيضًا. نعم، إن اخترنا رواية «الجامع الصغير» فله وجه ونفاذ.
والثاني: أنَّ المرادَ من النجاسة هي التي تُعُورِفت عندهم مع التزام النهي عن دخولهم في المسجد الحرام، كما في رواية «السير الكبير».
والثالث: أن المراد من النهي عن القُرْبِ هو الحج والعمرة دون الدخول مطلقًا، وفيه أنه يلزم عليه تركُ تعبير القرآن رأسًا، وهو مُشكل ولا سيما إذا اتضحت المناسبة بين القرينين، فإن الحكم بالنجاسة يدلّ على أن الغرض عدم دخولهم مطلقًا دون المنع عن الحج والعمرة فقط.
والرابع: أن اللفظ النَّجَس أُخْرِج مخرج الذَّم، وما يُساق لأجل الذم أو المدح لا يُعتبر فيه اللفظ، ويكون المراد هو المعنى فقط، فكذلك فيما نحن فيه، لما أطلق عليهم النَّجَس ذَمًّا وشناعة لهم لا يجري عليهم ما يجري على النَّجَس حقيقة.
قوله:(سبحان الله) وفي النظم لابن وَهْبَان ما معناه: أن إخراج تلك الكلمات عن موضوعها ليس بصحيح. قلت: ورأيت كثيرًا ما يُخْرِجونها عن موضوعها كما ترى ههنا، فإنها وإن وُضِعَتْ للتسبيح لكنه مستعمل في التعجب.
٢٥ - باب كَيْنُونَةِ الْجُنُبِ فِى الْبَيْتِ إِذَا تَوَضَّأَ
٢٨٦ - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ وَشَيْبَانُ عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِى سَلَمَةَ قَالَ سَأَلْتُ عَائِشَةَ أَكَانَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - يَرْقُدُ وَهْوَ جُنُبٌ قَالَتْ نَعَمْ وَيَتَوَضَّأُ. طرفه ٢٨٨ - تحفة ١٧٧٨٥