وبالجملة الارتداد إليه، وإن أفضى إلى اللطخة، والردغة التي هي من آثار تلك الكلمة نفسها، إلا أنه لا يصحح حمل الكفر على صاحبها، فتلك أيضًا مرتبة دون الكفر، وإنما انتقل ذهني إليه، لحديث آخر، وهو قول النبي صلى الله عليه وسلّم فيمن لعن أحدًا: «إن لعنته (١) لا تزال تلتمس محلًا بين السماء والأرض، فإن وجدت وقعت عليه، وإلا ترجع إلى قائلها، فتلطخ به» - أو كما قال -.
قلتُ: وتلك اللطخة لا تزيدُ على التفضيح، والتقبيح، لا أنها توجب كونه ملعونًا. وعند مسلم: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلّم كان في بعض أسفاره مع أصحاب له، إذ لعن أحدهم إبله، فأمر النبي صلى الله عليه وسلّم بإِرساله، وعدم الركوب عليه، مع أنه نحو من التسييب، ولا نظير له في الشرع، ولكنه أمره به، لأن اللعنة تلطخت به، تلطُّخَ الطينة بالجدار، فأورثَ فيه قُبحًا، أخرجه عن كونه صالحًا للركوب عليه.
فكأنه أخبرهم أن الملعونَ لا ينبغي أن يكون مركوبًا للمسلم، فنبَّه على القُبح فقط، لا أنه صار ملعونًا وبالجملة أحكام الفقهاء تتعلق بالظاهر، وأما ما يتعلق بالنظر المعنوي، فهم قلَّما يبحثون عنه، ولما لم توجب تلك اللَّطخةُ أثرًا في صاحبها في الظاهر، تركوا ذِكرها، فتركهم ليس بناءً على نفيهم، بل لعدم كونها من موضوعهم.
٦٠٤٧ - قوله:(من حلف على ملة غير الإِسلام) ... إلخ، وقد مر شرحه.