بيده الواحدة، والنبيُّ صلى الله عليه وسلّم قد صافحه بيديه الكريمتين، فإنه يُسْتَبْعَدُ من مثله أن لا يَبْسُطَ يديه للنبيِّ صلى الله عليه وسلّم وقد يكون النبيُّ صلى الله عليه وسلّم بَسَطَ له يديه، غيرَ أنَّ الراوي لم يَذْكُرْه، لعدم كون غرضه متعلِّقًا بذلك.
ولا ريبَ أن الرواةَ يختلِفون في التعبيرات، فيخرِّجون عباراتِهم على الاعتبارت، فمنهم من يفصِّلُ المُجْمَلَ، ومنهم من يُجْمِلُ المفصَّلَ. ثم الواحدُ قد يرتكبُه أيضًا، وحينئذٍ لا بدعَ في كون مصافحة ابن مسعود أيضًا باليدين.
٦٢٦٤ - قوله:(وَهُوَ آخِذٌ بِيَدِ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ) فيه: أن أخذَه بيده لم يكن للمصافحة، بل هو للتأنيس إلَّا أن تَرْقَى على الجنس، وتقولَ: إن المصافَحَة أيضًا للتأنيس.
واعلم أن التصافحَ عند الملاقاة توكيدٌ للتسليم القوليِّ، فإنَّ التسليمَ إيذانٌ بالأمن قولًا، والتصافحُ نحوُ بَيْعَةٍ، وتلقينٌ على ذلك، ليكونَ كلٌّ من المتلاقِيَيْن على أمنٍ من صاحبه. وهذا كما قدَّمنا في مفتتح الكتاب: أنَّ العربَ في الجاهلية كانوا يفعلون ما يفعلون من القتلِ والغارات، حتَّى كانت تنقطعُ الطرقُ، وتنسدُّ السُّبُلُ، فلم يكونوا يتمكَّنون أن يَخْرُجُوا بالأمن إلَّا في الأشهر الحُرُمِ. فلمَّا جاء اللهُ بالإِسلام، وضع السلامةَ بينهم، وبدَّلهم من بعد خوفهم أمنًا، وجعل بإِزائه لفظَ الإِسلام، ليكونَ كلٌّ من المتلاقِيَيْن على الأمن من صاحبه. ولعلَّ هذا المعنى مراعًى في التصافح أيضًا، لأنَّه نوعُ بيعةٍ على ذلك، وتوكيدٌ لِمَا تلفَّظاه بالتسليم.
ثم إنَّ أوَّلَ المصافحة بدأ من أهل اليمن، حين جاءوا إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلّم واستقبالُ الحجر الأسود أيضًا مصافحةٌ، لِمَا في الحديث:«أن الحجرَ يمينُ الله في الأرض»، فكان استقبالُه كالمصافحة، فافهم.