ويسويه بالنحوين عند الضرورة، والمراد من قوله:«بعدها»: بعد الإقامة قبل التحريمة، وإن جَازَ بعد التحريمة أيضًا. وكان في زمن عمر رضي الله تعالى عنه رجلٌ مُوَكَّلٌ على التسوية، كان يمشي بين الصفوف ويسوِّيهم، وهو واجبٌ عندنا تُكْرَه الصلاة بتركه تحريمًا، وسنةٌ عند الشافعية لانتفاء مرتبة الواجب عندهم، وذهب ابن حَزْم إلى أنه فرضٌ.
ثم اختلفوا في تضعيف الأجر عند اختلاف الصفوف واختلالها، ونَقَل السيُوطي قولين عن الشافعية: الأول: أنه يحصل التضعيف مع وزر النقصان. والثاني: أنه يَحْبَطُ ثواب التضعيف. وعندنا في الصيام أن الثواب يَحْبَطُ في الصوم المكروه، وقيل: يَحْصُل مع النقصان، وعندي يَحْبَطُ في صوم يوم النحر والفطر، فإنه حرامٌ إجماعًا، وفي سائر أيام التشريق يَحْصَل شيءٌ منه. وأمَّا في الصلاة، فَيحْصُلُ أصل التضعيف، ويَنْقُصُ منه ما نَقَصَ فيه من الكراهة، بَقِيَ أن حَبْطَ الثواب لمن خالف فقط، أو للكل؟ قلتُ من عند نفسي: إنه لمن اختلف فقط، ومن سوَّى منهم فقد أَحْرَزَ الأجرَ (١).
٧١٧ - قوله:(عمرو بن مُرَّة): هذا كوفي، ومذهبه تَرْكُ رفع اليدين، وراجع فيه مع النَّخَعِي، فقال له: إن كان أبوه رآه يرفع مرةً، فقد رآه ابن مسعود وأصحابه يتركه خمسين مرةً. وهو عند الطَّحَاويِّ أيضًا، وإسناده جيدٌ. ومعنى قول ابن مسعود رضي الله عنه وأصحابه رَاجِعْهُ من رسالتي «نيل الفرقدين».
قوله:(لَتُسَوُّنَّ صُفُوفَكُم): يعني أن الظاهر يُؤَثِّرُ في الباطن، فإذا اختلف في الظاهر، يختلف عليه الباطل أيضًا، ويوجب الخلاف والشقاق فيما بينهم.
٧١٨ - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ «أَقِيمُوا الصُّفُوفَ فَإِنِّى أَرَاكُمْ خَلْفَ ظَهْرِى». طرفاه ٧١٩، ٧٢٥ - تحفة ١٠٣٩
(١) واعلم أنهم إن عدَّلوا الصف الأول واختلفوا في سائر الصفوف، فهل تُكْرَهُ الصلاة أو لا؟ قلتُ: وَيلزَمُ من قواعد الحنفية أن تكونَ مكروهةً، فإن صلاةَ الجماعة عندهم واحدة بالشخص، فيسري القُبْحُ من جزئها إلى كلَّها. نعم، يمكن على نظر الشافعية أن لا تُكرَهَ صلاتهم، لأن الجماعةَ عندهم عبارةٌ عن الاجتماع في المكان فقط. ثم أظن أن الكراهة لا تكونُ إلَّا في الصف الذي لم يسوّوه. ومن أجل هذه المؤكِّدات ذهب ابن حَزْم رحمه الله تعالى إلى أن التسويةَ من شرائط الصحة، وله كتاب في الأصول المسمَّى بـ: "الإحكام في أصول الأحكام"، وفي الفقه: "المحلى" و"المجلّى"، وقد انتقد عليه قطب الدين الحلبي، غير أنه لم يُطْبَع، وفي تسوية الصف رسالة للسيوطي رحمه الله تعالى سمَّاها: "بسط الكف في تعديل الصف"، كذا في تقرير الفاضل عبد العزيز معرَّبًا من كلام الشيخ رحمه الله تعالى.