١٩٣٥ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُنِيرٍ سَمِعَ يَزِيدَ بْنَ هَارُونَ حَدَّثَنَا يَحْيَى - هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ - أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْقَاسِمِ أَخْبَرَهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ بْنِ خُوَيْلِدٍ عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - تَقُولُ إِنَّ رَجُلاً أَتَى النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ إِنَّهُ احْتَرَقَ. قَالَ «مَالَكَ». قَالَ أَصَبْتُ أَهْلِى فِى رَمَضَانَ. فَأُتِىَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - بِمِكْتَلٍ، يُدْعَى الْعَرَقَ فَقَالَ «أَيْنَ الْمُحْتَرِقُ». قَالَ أَنَا. قَالَ «تَصَدَّقْ بِهَذَا». طرفه ٦٨٢٢ - تحفة ١٦١٧٦
ذَهَبَ الجمهورُ إلى أن من جَامَعَ في رمضانَ، فعليه القضاءُ والكفَّارةُ. واختار البخاريُّ أن لا قضاءَ عليه، وعليه الكفَّارة. وأمَّا في غيره، فلا قضاءَ ولا كفَّارةَ عند المصنِّفِ. وأوجبهما أبو حنيفة، ومالك في الأكل والشُّربِ أيضًا. خلافًا للشافعيِّ، وأحمد. أمَّا انتفاءُ القضاء عنده، فلِمَا روى الترمذيُّ:«أن من أَفْطَرَ متعمِّدًا يومًا من رمضانَ من غير رُخْصَةٍ، ولا مرضٍ، لم يقضِ عنه صوم الدَّهْرِ كلِّه، وإن صامه». وأمَّا انتفاءُ الكفَّارةِ، فلكونها تعزيرًا. والأصلُ فيه الظِّهَار، فإن الشَّرْعَ أَوْجَبَ فيه صيامَ شهرين متتابعين تَعْزِيرًا، لمَّا قال مُنْكَرًا من القول وزُورًا. ولذا يجبُ عليه قضاؤه عند الجمهور، فإن القضاءَ للصَّوْمِ الذي أفسده. وأمَّا صيامُ شهرين متتابعين فتعزيرٌ لِمَا فعله، وليس بدلا عن صومه الذي أَفْسَدَهُ.
فإذا عَلِمْتَ أن الكفَّارة بالصِّيام تعزيرٌ، وليس بدلا عن الصوم، عَلِمْتَ أنها لا تنبغي أن تَجِبَ في الأكل والشرب، لأن التعزيرَ لا يجري فيه القياس، كما في الحدود، فتَقْتَصِرُ على موردها، لا سِيَّما إذا كان الأكلُ والشربُ أخفَّ من الجِمَاع أيضًا. هذا تقريرُ كلامه مع الجمهور. وحينئذٍ لا يَرِدُ عليه أن الصِّيامَ إذا صار كفَّارةً عن الجِمَاع - وهو أشدُّ - فليكن عن الأكل والشرب بالأَوْلى، فإنهما أخفُّ.
وتقريرُ الجواب أن الكفَّارةَ بالجماع ليست للتلافي، بل هي تعزيرٌ له. فكما أن الصِّيامَ ليست كفَّارةٌ له في الأكل والشربِ عندكم أيضًا، كذلك في الجِمَاع أيضًا، إلا أنا قلنا بها في الجِمَاع للنصِّ، تَعْزيرًا لا تكفيرًا، ولا قياسَ فيه.
قلتُ: وهذا يُؤَيِّدُ الحنفيةَ: أن الكفَّارات عند البخاريِّ زواجرُ لا سَوَاتِر، كما قاله الشافعيةُ، وقد مرَّ الكلامُ فيه في الإِيمان.
ثم اختلف الجمهورُ فيما بينهم في إيجاب الكفَّارة بالأكل والشرب بعد اتفاقهم في إيجابها بالجِمَاع: فذهب مالك، وأبو حنيفة إلى إيجابها فيهما. وذهب أحمد، والشافعيُّ إلى أنها بالجِمَاع خاصةً.