للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قال أبو حيان: إن لفظ «مع» للمشاركة زمانًا، أو مكانًا، وقد مر مني أنه للمشاركة في الجملة، ولو بوجه، كما قررناه في آية الوضوء، عند بيان واو المعية، فتذكره.

٦٠٩٤ - قوله: (إن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة) دل الحديثُ (١) على باب من أبواب الحقائق. وهو أنَّ العبدَ لا يزال يقطعُ مدى عُمْره، إما طريقًا إلى الجنة، أو النار، فبيَّنه، وبين أحد الموضعين له مسافة طويلة، أو قصيرة، يسلكها الرجل مدة حياته، حتى إذا قطعها بتمامها مات، وبلغَ منزِله فدخوله في أحدهما ليس بغتة، ما يُتوهم، بل مضى عُمْره هو سفره إلى أحدهما، حتى لا يكون انقطاعُ أبْهَره، وانقطاع سفره إلا في زمان واحد.

وإليه يشير ما رُوي في أبواب القدر، أنَّ العبدَ يأتي بالحسنات، حتى لا يكون بينه وبين الجنة إلا قدر شبر ... الحديث فحياته في الدنيا قَطْعٌ لما بينه وبين منزلِهِ ويؤيده ما روى أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلّم كان جالسًا في مجلس، إذ سمع صوت صخرة سقطت، فقال: «تلك صخرة ألقيت من شفير جهنم، بلغت قعرها بعد سبعين سنة»، فلما خرجوا من عنده سمعوا أنَّ منافقًا مات، وذلك كان عمره، فكأن هذا المنافق كان يقطعُ سفرَه في تلك المدة إلى موضعه من النار، حتى إذا قطعَه مات، وبلغ المنزل (٢).

٧٠ - باب فِى الْهَدْىِ الصَّالِحِ

٦٠٩٧ - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ قُلْتُ لأَبِى أُسَامَةَ حَدَّثَكُمُ الأَعْمَشُ سَمِعْتُ شَقِيقًا قَالَ سَمِعْتُ حُذَيْفَةَ يَقُولُ إِنَّ أَشْبَهَ النَّاسِ دَلاًّ وَسَمْتًا وَهَدْيًا بِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لَابْنُ أُمِّ عَبْدٍ، مِنْ حِينَ يَخْرُجُ مِنْ بَيْتِهِ إِلَى أَنْ يَرْجِعَ إِلَيْهِ، لَا نَدْرِى مَا يَصْنَعُ فِى أَهْلِهِ إِذَا خَلَا. طرفه ٣٧٦٢ - تحفة ٣٣٤٥

٦٠٩٨ - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مُخَارِقٍ سَمِعْتُ طَارِقًا قَالَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ إِنَّ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ، وَأَحْسَنَ الْهَدْىِ هَدْىُ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم -. طرفه ٧٢٧٧ - تحفة ٩٣٢٠

٦٠٩٦ - قوله: (فيصنع به إلى يوم القيامة) فكما كان هذا جَزَاء للكذاب في برزخه إلى قيام البرزخ، وهو إلى يوم القيامة، كذلك حالُ قاتلِ النفس، يُفعل به ما يفعل إلى


(١) وأمثال تلك الكلمات أحرى أنْ تُسمَّى بطن الحديث، فإن لكل حديث ظهرًا، وبطنًا، وقد تعرض إليه الشيخ في أكثر المواضع، فالظهر على موضعه، والبطن على موضعه فاحفظه في جملة المواضع. ومن هذا الباب تحقيقه في محل الجنة، والنار، وتجسد المعاني، وأمثالها، فاعلمه.
(٢) قلت: ولعله قوله تعالى: {وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا} وحينئذٍ ليس قوله تعالى على تأويل أو مجاز، بل هو على ظاهره، فليفهمه، ومن لم يكن طالع أسفارَ الحقائق، لا يدرك كُنه ما حققه الشيخ.

<<  <  ج: ص:  >  >>