وهذه المسألةُ تسمَّى في الفِقْه بمسألة الظَّفَر؛ وحاصِلُها أنه إذا كانَ له حقُّ على آخرَ فما طله، ولم يُؤَدِّ إليه، فلصاحِب الحقِّ أن يأخُذَ عينَ ماله إن طُفِر به، أو جِنْسه، وليس له أن يأخذَ من أيِّ أمواله شاء، وهذا عندنا، وعمَّمه الشافعية. وأفتى المتأخرون منا بمذهب الشافعية، لظهور سوء الديانة، والتواني في أحكم الإِسلام، فعسى أن لا يجد جِنْسَ مالِه، فينوى حَقَّه.
٢٤٦٠ - قوله:(لا حَرَجَ عَلَيْكِ أن تُطْعِمِيهم) .. الخ. وهذا الحديث خفيٌّ في الترجمة، فإِنَّها آخِذةٌ من عينِ حَقِّها، لا أنها قِصاصٌ، والترجمة فيما إذا تَلِف حَقُّه، فله أن يقتصَّ من مالِ المظلوم، أما الأَخْذَ بحقوقِ نفسه، كنفَقةِ الزوجة على الزوج، فليس من القِصاص في شيءٍ. وتكلم عليه النوويُّ في «شرح مسلم» أنه قضاءً، أو ديانةً، فإِن كان الأَوَّل اقتصر على القاضي، وإن كان الثاني صحَّ لكلِّ مفتي أن يُفْتى به. وهذا ما قلنا: إنَّ الفَرْق بين القضاء والديانة دائرٌ بين المذاهب الآخر أيضًا.
٢٤٦١ - قوله:(فإِنْ لم يَفْعَلُوا فَخُذوا مِنْهم حَقَّ الصِّيْف) ... الخ. نعم، وهذا أَوْضَحُ في ترجمة المصنِّف، واختلف الناسُ في تخريج هذا الحُكم، فقيل: إنَّه محمولٌ على حال المخْمَصَة؛ كانت الضِّيافةُ فيهم عُرْفًا عامًّا يومئذ، وقيل: كان النبيُّ صلى الله عليه وسلّم عاهَدهم على ذلك أن يَمُرَّ عليهم عَسْكَرٌ من المسلمين، إلا أن يُضيِّفُوه، كما يُعْلم من كُتُب النبيِّ صلى الله عليه وسلّم أخرجها الزَّيلَعي في آخر المجلد الرابع، ولكن كونُ كلِّ مَنْ يمرُّ عليهم من أهل الذِّمَّة بعيدٌ (١). فالظاهرُ أَنْ يُجاب بالعُرْف.
١٩ - باب مَا جَاءَ فِي السَّقَائِفِ
وَجَلَسَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَأَصْحَابُهُ فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ.
(١) قلت: نقل في "المرقاة" نحوه عن محيي السنة، وعن أسلم أن عمر بن الخطاب ضرب الجزية على أهل الذهب أربعة دنانير، وعلى أهل الورق أربعين درهمًا، مع ذلك أرزاق المسلمين، وضيافة ثلاثة أيام، رواه مالك، وحمله في "المعتصر" على حال الجوع، وقرره: ص ٤٢٢.