قال صاحب «الهداية»: الاستسقاءُ عندنا دعاءٌ واستغفار. فتوهمَّ منه بعضٌ نَفْيَ الصلاةِ رأسًا، مع أنه قال بُعَيْده:«قلنا: إنه فَعَله مرةً وترَكه أخرى فلم يكن سنةً»، فخرج أنه أنكر السُّنية دونَ الجواز. وقد حققه المحقق ابنُ أمير الحاج وبسطه جدًا.
قلتُ: والسرُّ فيه أن الاستسقاء على أنحاء: بِرَفْع الأَيدي في عامَّة الأحوال، ودُبُر الصلوات، وفي المُصَلَّى، وفيه التفاصيل والخلاف. ويُشترط له الإمامُ الأكبر فَحُكْمِ الإمام على المجموع، فلم يَسَع له الحُكْمُ بالسُّنية. وأفرز الشافعي رحمه الله تعالى الثالث فقط، فوَسِعِ ذلك، ونظيره الوِتْر على ما مَرَّ. فمن حَكَم على المجموعِ حَكَم عليه بالسُّنية، ومن أفرز القِطعةَ الأخيرةَ منه حَكَم بالوجوب، ونحوه الجماعة فَمَنْ حَكَمْ على مجموع ما وردَ فيها من الأَوامر وأَعْذَار الترك حَكَم بالسُّنية، ومن نظر إلى الأَوامر فقط حَكَم بالوجوب. وقد مرَّ تقريره.
ويقرأ فيها سرًا، ولا تُسنُّ الخطبة، ولصاحبيه خلافٌ فيهما، والعمل على مَذْهب الصاحبين. ويستحبُ تحويلُ الرِّدَاء للإمام عندنا دون القوم كما في «فتح القدير». والنفي في المتون محمولٌ على نَفْي الوجوب. راجع تفصيله في شَرْحِ «المِنية» لابن أمير الحاج.
ونقل الشيخ شمس الدين السَّرُوجي في "شرح الهداية" رواية وجوب العيدين والكسوف، ووجوب الاستسقاء بأمر الإمام. وقد صرَّح الحموي في «حاشية الأشباه»: أن الصوم يجب بأمر القاضي، وحينئذٍ لو أَمَرَ بالاستسقاء يَجِبُ أيضًا. وبه أَفْتَى النووي، أي بالوجوب بأمر الإمام، كما في شرح «الجامع الصغير». وكان العلماء خَالَفُوه في زمنه. وقد تحقَّق عندي أن فتاوى الحموي تكون أكثرها مأخوذةً من النووي. وقد مرَّ مني عن قريبٍ: أن الوجوبَ من جهة أمر الإمام عارضي يَقْتَصِرُ على زمانِ إمارته، فهو وجوبٌ وَقْتِيٌّ. ومن هذا الباب: حرمة الدخان كما قاله المُنَاوي. فإذا مات الأميرُ، انتهت الحرمة، وعادت الحِلَّةُ على الأصل، وهذا كلُّه في الأمور الانتظامية، أمَّا في الأمور الشرعية، فلا دَخْل لأمر الإمام فيها. ثم إن أمرَ الخلفاء الأربعة فوق أمر الأمير وتحت التشريع، فَيُتَّبَعُ بهم في بعض الأمور الانتظامية كالتشريع، كالجماعة في التراويح. وأَرَى كثيرًا من