والذي ظهر لي فيه أن يُجعل مرادًا أوليًا وثانويًا كقوله تعالى:{فَإِن طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ} ... [البقرة: ٢٣٠] إلخ قال الشافعية: إنه يتعلق بصدر الكلام، أي قوله تعالى:{الطَّلَقُ مَرَّتَانِ} ... إلخ [البقرة: ٢٢٩] وجعلوا ذكر الخُلْعِ جملةً معترضة، والخُلُع فسخٌ عندهم. وقال الحنفية رضي الله تعالى عنهم: إنه يتعلق بما قبله، وقالوا: إن القول تعلُّقه بصدر الكلام مع إمكان بتعلقه بما قبله فكذلك في النظم. قال الشافعية رحمهم الله تعالى: إن قوله: {أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَنٍ} طلاقٌ ثالث لما عند أبي داود أن رجلًا سأل عن الطلاق الثالث، فقال: هو تسريح بإحسان، وحينئذٍ لو قلنا: إن قوله {فَإِن طَلَّقَهَا} ... إلخ يترتب عليه، لَزِمَ أن يكون هذا الطلاق رابعًا.
قلتُ: التسريح بالإحسان تركُ الرَّجْعَة، وهذا مرادُهُ الأولى، ويدخل فيه الطلاق الثالث أيضًا على طريق المراد الثانوي، فإن الطلاق أيضًا صورة وقِسْمٌ من تَرْكِ الرَّجْعَة، وإذن لا يكون قوله:{فَإِن طَلَّقَهَا} بيانًا للطلاق المستأنف بل يكون بيانًا لأحد قِسْمي ترك الرجعة، فالمراد هو ما يُفْهَم من النظم. وما يدلّ عليه الحديث فهو داخل في مؤدَّاه أيضًا على طريق المراد الثانوي. وهذا هو الطريق في جميع المواضع التي يُخالف الحديث النص، فإنه يُوَفي حق النظم القرآني، ويؤل في الحديث.
إذا أتْقنتَ هذا فاعلم أن الله تعالى لمَّا ذكر القيامة وأحوالها وكان المشركون مولَعين بالسؤال عنها تعّنتًا فقالوا:{أَيَّانَ مُرْسَهَا}[النازعات: ٤٢] وأمثال ذلك، فحقَّق الله من أول الأمر أن لا يتكلم فيه بحرف، وأن لا يتعجل في تحصيل علمه وتفصيله، بل عليه أن يحفظ بقدر ما علَّمناه، وينتظرَ تفصيله فيما يأتي حسبما يريده الله تعالى شيئًا فشيئًا. وما ذكره ابن عباس رضي الله تعالى عنه من تحريك شفتيه فهو مراد أيضًا لكن على طريق المراد الثانوي، وقد علمتَ أن قصر النَّظْم على ما ورد في شأن نزوله ليس بسديد، ولا سيما إذا خالف سياق القرآن، والله تعالى أعلم وعليه التُّكْلان.
(حدثنا عَبْدَانُ) ... إلخ كان في الأصل تثنيةً ثم صار عَلَمًا، وقيل: بل عَلَمٌ من الأصل نحو عثمان، وذكر الزَّمْخَشَرِيّ عند الكلام على لفظ الرحمن: إني كنت ذاهبًا إلى الطائف فسألتُ عن البدوي هذا شخدف، قال: بل شغنداف يريد به الشغدف الكبير فكذلك عبدان، وحيثما كان بعده عبد الله فهو ابن المبارك. قال الحافظ: من دأب المصنف رضي الله