لصيانة الدين فقط، لئلا يَدْخُل فيه ما ليس منه، فما درَسُوا به وما رَسُوا، حتى خفَّ التعامُلُ في نظرهم، مع أنه الفاصل في الباب عندي. ولا استفتاح عند مالك رحمه الله تعالى، ونقل عنه أبو بكر ابن العربي: أنه كان يَسْتَفْتِحُ بنفسه، ولا يأمر به الناس.
قلت: وحينئذٍ صار حاصله الاستحباب عنده. واستدلَّ بقوله صلى الله عليه وسلّم «كانوا يَفْتَتِحُون الصلاةَ بالحمد لله رب العالمين». واستدلَّ منه الحنفيةُ على الإسرار بالتسمية، فأجاب عنه الشافعيةُ: أن الحمدَ لله اسم لتلك السورة، فمعناه أنهم كانوا يَفْتَتِحُون الصلاةَ بتلك السورة، والتسميةُ جزءٌ منها فلم يَثْبُت إسرارها. وأجاب عنه الحافظ الزَّيْلعِي: أن الآيةَ بتمامها ليست اسمًا للسورة، وإنما اسمها «الحمد» فقط. ثم إن التسميةَ سنةٌ عندنا في ظاهر الرواية، وواجبٌ في روايةٍ، ورجَّح الشيخ السيد محمود الآلُوسي وجوبها.
٧٤٤ - قوله:(يَسْكُتُ بين التكبير وبين القراءة إسْكَاتَةً)، واتفق الثلاثةُ على أن السكوتَ كان للاستفتاح، فجاء البيهقيُّ وتمسَّك منه على أن السكوتَ يُطْلَقُ على القراءة سِرًّا أيضًا. وحينئذٍ يجوز أن يكونَ الأمرُ بالإنصات محمولا على القراءة سِرًّا.
قُلْتُ: لَمْ يُطْلَقْ السكوتُ ههنا على القراءة سِرًّا كما فُهِمَ، بلْ مراده من السكوت: هو سكوته عن التكبير، فهو باعتبار ما قبله لا ما بعده. وهذا على نحوِ ما يقوله أهل العُرْف: قال فلان كذا، ونقل فلان كذا، وسَكَتَ عليه، أي لم يُرِدْه وإن تكلّم بعده، فلم يَصِحَّ النظير.
قوله:(اغسل خطايايَ بالماء والثلج والبَرَد). قال ابن دقيق العيد: معناه أن الناس يَعُدُّون الثلجِ والبَرَد باطلا، فاصرفه يا ألله في غسل خطاياي، وقال آخرون: إن هذه الأشياء فيها قَرٌّ، فَأُحِبُّ أن يُطْفِأَ بها حرّ خطاياه، وحاصله: أن اطفِ حرَّ خطاياي بقَرِّ هذه الأشياء.