للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

ثُمَّ رَفَعَ، ثُمَّ سَجَدَ فَأَطَالَ السُّجُودَ ثُمَّ انْصَرَفَ فَقَالَ «قَدْ دَنَتْ مِنِّى الْجَنَّةُ حَتَّى لَوِ اجْتَرَأْتُ عَلَيْهَا لَجِئْتُكُمْ بِقِطَافٍ مِنْ قِطَافِهَا، وَدَنَتْ مِنِّى النَّارُ حَتَّى قُلْتُ أَىْ رَبِّ وَأَنَا مَعَهُمْ فَإِذَا امْرَأَةٌ - حَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ - تَخْدِشُهَا هِرَّةٌ قُلْتُ مَا شَأْنُ هَذِهِ قَالُوا حَبَسَتْهَا حَتَّى مَاتَتْ جُوعًا، لَا أَطْعَمَتْهَا، وَلَا أَرْسَلَتْهَا تَأْكُلُ». قَالَ نَافِعٌ حَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ «مِنْ خَشِيشِ أَوْ خُشَاشِ الأَرْضِ». طرفه ٢٣٦٤ - تحفة ١٥٧١٧ - ١٩٠/ ١

لم يُتَرْجِم فيه بشيءٍ، ثم أخرج حديث الكسوف وتعدُّد الركوع فيه، ولعلَّه قَطَعَ النظر عن الاستفتاح إشارةً إلى مذهب مالك رحمه الله تعالى، ولذا تصدَّى إلى بيان الأذكار، وحَذَفَ دعاء الاستفتاح من الترجمة. ثم أخرج حديثًا فيه: أنه قام طويلا، وركع طويلا، وسجد طويلا، فاندرجت فيه الأدعية، وقد جاءت مفسَّرة في الخارج في عين هذا الحديث.

بقيت مسألة تعدُّد الركوعات، فاعلم أنه صَحَّ عنه ركوعان في «صحيح البخاري» و «الموطأ» لمالك، والروايات قد بَلَغَت فيه إلى خمس ركوعات، كما عند أبي داود، ورواية الثلاث عند مسلم، فذهب النوويُّ إلى حَمْلِها على تعدُّد الوقائع، وهو باطلٌ قطعًا، فإن الكسوفَ لم يقع في عهدِ صلى الله عليه وسلّم إِلا مرةً يوم مات إبراهيم عليه السلام، كما حقَّقه المحمود شاه الفرنساوي في رسالته. وقد نقل فيها الحساب القمري إلى الحساب الشمسي، وفي ضمنها عيَّن أعداد الكسوف في زمنه صلى الله عليه وسلّم وعيَّن وقته، فلم يحقِّق فيه إِلاّ كُسُوفًا واحدًا.

أما خسوف القمر، فهذا الفاضل يكتب فيه شيئًا، وهو في السنة السادسة، كما في «صحيح ابن حِبَّان». ثم إنه غَلِطَ في موضعٍ، حيث أنكر النَّسِيءَ عند العرب، مع أنه ثابتٌ عنهم، فيكون في السنة عندهم ذو الحجة اثنين، هو شائِعٌ في مشركي أهل الهند أيضًا، وهكذا كان عند العرب، وقد أنكره هذا الفاضل وليس بصحيح، فاعلمه.

والحاصل: أن المحقَّق أنها واقعةٌ واحدةٌ فقط، وركع النبيُّ صلى الله عليه وسلّم فيها ركوعين. أمَّا روايات الثلاث والخمس فكلُّها معلولٌ، كما قاله ابن دقيق العيد، فإنها عند التحقيق آثار الْتَبَسَتْ بالمرفوع. ووجهُ الاجتهاد في تعدُّد الركوع عندهم أنهم لمَّا رأوا النبيَّ صلى الله عليه وسلّم زَادَ على ركوعٍ واحدٍ، ثَبَتَ عندهم جنسُ الزيادة، فحملوه على الجواز بقدر الحاجة.

ولنا ما عند أبي داود: «فإذا رأيتموه، فصلُّوا كأحدث صلاةٍ صلَّيتموها» - بالمعنى - وأقرَّ بصحته أبو عمر. ووجه التمسُّك منه: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلّم لمَّا صلَّى بهم صلاةَ الكسوف وركع فيها ركوعين، ثم لم يقل: صلُّوا كما رأيتموني أصلِّي، أو: مثل صلاتي هذه، بل أَحَالَها على أحدثِ صلاةٍ وهي الفجر، فَعُلِمَ أنه وإن كان ركع فيها بنفسه ركوعين، لكن الذي عَلِمْنَاه هو أن نصلِّي بها على شاكلة صلاة الفجر في عدد الركعات والركوع، لأنه لو أراد كذلك لم يكن ليتركَ الأقربَ عند التشبيه واختار الأبعدَ، فإنه كما قيل: جعل البديهي نظريًا. ولكان الأحسن والأسهل حينئذٍ أن يُقَال: صلُّوا كصلاتي هذه. كذا كان يقرِّره شيخي المحمود، ثم جاء «البدائع» مطبوعًا، فرأيت فيه نحوه عن أبي عبد الله البَلْخِيّ، وهو من كِبَار الحنفية.

٧٤٥ - قوله: (هِرَّةٌ)، والتاء فيه للوَحْدَة دون التأنيث. ثم إن النبيَّ صلى الله عليه وسلّم رآها في جهنم، وإن

<<  <  ج: ص:  >  >>