وهذا التعبير مأخوذٌ من قوله تعالى:{أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ}[الحجرات: ٢] واعلم أن هذه الترجمة لها تعلق وارتباط مما قبلها من التراجم: كفر دون كفر وباب المعاصي من أمر الجاهلية.
وحاصلها عندي: التحذير من الجَرَاءة على المعاصي، وأنه ينبغي للمؤمن أن يخاف من سوء الخاتمة، ولا يغتر بكونه على صلاح الحال، فإن الكفر قد يطرأ في وسط العُمُر، وأخرى عند الموت، والعياذ بالله. وهذا كفر تكوينًا لا تشريعًا، يعني أن الرجل ربما يرتكب المعاصي ولا يحكم عليه بالكفر لأجلها، لكنها قد تؤدي إلى سلب الإيمان عند الموت من جانب الله تكوينًا، فحذَّر المصنف رحمه الله تعالى عن هذا النوع من الكفر، أو أراد به الرد على المرجئة خاصة القائلين: بأنه لا تضرُ مع الإيمان معصية، فرد عليهم: بأن المعاصي من شأنها إحباط العمل حتى تؤدي إلى سلب الإيمان أيضًا، كما كان رد قبلَها على المعتزلة في باب المعاصي من أمر الجاهلية.
ومن أقوى شبه المعتزلة: أن المعصيةَ دليلٌ لنقصان التصديق، فإن من أذعن بكون الحيةِ في هذا الحجر مثلًا، لا يُدْخِلُ يده فيها أبدًا، فكذلك من صدَّق بأن الزنا موجبٌ للنار، ينبغي أن لا يأتي به. وإتيانُهُ دليلٌ على ضَعفٍ في تصديقه ونقصانٍ في اعتقاده.
قلت: كلا، بل الإنسان قد يقتحم المعاصي مع بقائه على التصديق واليقين، اعتمادًا على أبواب المغفرة وتوثقًا برحمة الله تعالى. فإذا همّ بالسيئة تطلَّع قلبه في تلك الأبواب حتى يقعَ في المعصية. وهذا كالسارق يَسْرِقُ مع أنه مذعنٌ بأن السَّرِقة جَرِيْرة، وجزاؤه الحبسَ في الحكومة الحاضرة وما ذلك إلا لتطلعه في أبواب أُخر، فيزعم لعله لا يظفرُ به مثلًا، ولو ظفر به فلعله لا تثبت عليه جَرِيْرته، ولو ثبتت فلعله يُعفى عنه إلى غير ذلك من الاحتمالات. فكذلك فيما نحن فيه، يخوض الإنسان في المعاصي ويعتمد على رحمته تعالى، أو أنه يتوبُ قبل الموت وغير ذلك.
وبالجملة قد يحدثُ بين الأسباب تزاحمٌ، فيميل القلبُ تارةً إلى هذا وأخرى إلى ذاك، على أن الناس خُلقوا على أصناف: فمنهم من تغلِبُ عليه القوة الشهوانية فيزداد في المعاصي