وإن أردت أن تقولَ بِعَدم الفَرْق بين المخلوقِ بلا واسطة، وبين المخلوق على أيدي العباد، فلا تجد الى إثباتِه سبيلًا، إلَّا بمصادمة البداهة، والركوب على السفاهةِ، فإنَّ الفرق بينهما جَلي، يحسُّه كلُّ عاقل، وإنما تعذَّر حل المقام على الأنام، لأن فِعْل العبد مما لا نظير له، وذلك لأنه ليس شيء، إلَّا وهو تحت قُدْرتِه تعالى، فإِذا أردنا أن نجد شيئًا لا تتحقق فيه وجهة إلى الله تعالى فقدرناه، فنلتجىءُ إلى إسناده إلى الله تعالى، ثُمَّ إذا نظرنا إلى الأشياءِ قد يوجِدْها العباد، ومن الأشياء ما لا دخل للعباد في وجودِها، نضطر إلى بيانِ الفَرْق بينهما، لا محالة. ولا نستطيعُ أن نقولَ بكونها مخلوقة للعباد، لِضَعْفهم، وَوَهَن بنيانهم، والأشياءُ أيضًا تأبى أن تكون وجوداتُهم مستندةً إلى مَن لا يستقلُّ في وجوده بنفسه، فعبَّرنا عنه بالكَسب، ولا معنى له إلَّا كونُ تلك الأفعال ظاهرة على أيديهم. فالكَسْب أخفُّ من الخَلْق، فالنسبة بين الفِعلين كالنسبة بين الفاعلين، وأنت تعلم أن العبد بحذاء أشعةِ أنوار ذاته متلاشىً، ولولا حُجُبُ النور لأحرقت سُبحاتُ وَجْهِه ما انتهى إليه بصره تعالى من خلقه. وإنما أطلنا الكلَامَ لِتعلم أن البلوغَ إلى غايته، مما لا يمكنُ، فإنَّ نَفْس وجودِ العبد مما تحير فيه الفُحول: فبعضهم قالوا: بَوحْدة الوجود، وآخرون ذهبوا إلى تعدُّد الموجود، مع القولِ بوحدة الوجود، إلى غير ذلك من الأقوال، فلا تذهب نَفْسك عليه حسراتٍ، وقد سمعت بَعضه من شيخي، وإنما ذكرته في الحاشية لأن تعبيره بهذا النحو من عندي. والله تعالى أعلم بالصواب. (١) قلت: ولا سيما إذا كان للتحنط، فلعله كان يستعمله، ولم يكن عنده إذ ذاك أحَدٌ، ولما دخل عليه أَنَسٌ رآه على هذا الحال، وليس فيه أنه لم يُغطَّها بعد ما جاءه أنَسٌ، فيمكن أن يكون غَطَّاها بعد دُخُوله.