وما نهَى عنه إلا لأَنَّه هيئة قبيحة، ونَهَى عنه في أبي داود عند إتيانِهِ إلى المسجدِ لكونِهِ في الصَّلاةِ حُكْمَا، فإِذَا كان لمعنىً صحيح كما فعله النَّبي صلى الله عليه وسلّم لتمثيل الفتن والهَرْجِ والمَرْجِ فهو جائز، وبالجملة أن التشبيك بدون حاجةٍ ممنوع خارج المسجد أيضًا، وأمَّا من حاجة فجائز في المسجد أيضًا.
[فائدة]
ورأيت عن سُفيان الثَّوري أَنَّ المحدِّثين قد كَثروا اليوم، فلو كان فيهم خيرًا لذهبوا كما ذهب سائر الخيرات.
حديث ذي اليدين.
٤٨٢ - قوله:(إلى خشبة معروضة) أي واقع في جانب العَرْض، قيل هي الأُسطوانة الحنَّانة، وفي «مسند الدَّاري»: أنَّ النَّبِي صلى الله عليه وسلّم لمَّا التزمها وسَكَت صغى إليها وقال: «إني كنت خيرتها بين أَنْ أردها إلى مكانها أو أنْ يأكل منها عباد الله في الآخِرة فاختارَت الآخرة». والمرادُ بأكلِ عباد الله منها في الآخرة عندي أن تُدفن في رياض الجنة لأنَّها عندي قِطعةِ مِنَ الجنَّةِ بدون تأويل، فكانت دُفنت جانب القِبلة عَرْضَا ولعلها كانت تُرَى إذ ذاك شاخصة، قال القاضي: وكانت هذه الأسطوانة هي الحنانة يعني بعد ما دفنت كانت مرئية إذ ذاك شيئًا منها، ووضِع المنبر يوم دفنت الحنانة.
وعندي روايات عديدة تدل على تقدم المِنبرَ على البدر بكثير، فتعين أنْ تكون هذه الواقعة قَبْلَ نَسْخِ الكلام.
قوله:(يقال له ذو اليدين) والنَّاس كانوا يَدْعُونَه بذي الشمالين، وإنَّما غَيَّره النَّبي صلى الله عليه وسلّم وسلَّم وقال له ذو اليدين.
٤٨٢ - قوله:(ولم أَنْسَ ولم تُقْصَرِ) أي على ما في ظَنِّي، وهذا غير رَاجع إلى مَذْهَبِ الجاحظ وأوضحه التَّفْتَازَاني فراجعه، واعلم أنَّ أبا هريرة أَنَّه لم يَكُنْ شريكًا في هذه الاقعة لأنَّه جاء في السَّنَة السَّابِعَة وهذه الواقعة قَبْلَ بَدْرٍ، وما يدلك على أنَّهخ لم يَحْضُر تلك الواقعة ما أَخْرَجَه الطَّحاوي عن ابنِ عمر رضي الله عنه بإِسناد قوي أنَّهُ ذَكَر لَهُ حديث ذي اليدين فقال:«كان إسلام أبي هريرة بعدما قُتِلَ ذو اليدين». ورواتهُ كلهم ثقات إلا العمري فإنَّهم تَكَلَّموا فيه، لكَنْ صرَّح ابنُ مَعِين أنَّهخ ثقة في نافع، وأمَّا ما رواه أبو هريرة «صلَّى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم وسلَّم» فمعناه معاشِرَ المسلمين ولا يُريد به نفسه، ومثل هذه الإضافات وَقَعَتْ في القُرآنِ والحديثِ فلا بُعْدَ فيه قال تعالى:{وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا} ... الآية [البقرة: ٧٢] يعني آباؤكم أيها اليهود فَنَسَب فعلهم إلى المخاطبين، وَكَمَا قال طَاوس: قَدِمَ علينا مُعَاذ بنُ جبل أي قَدِمَ بلدَنا، لأنَّ طاوسًا لم يكُن ولا حين قَدِمَ مُعاذ في اليمين، فإنَّ قُلْتَ: وهذا في صيغةِ الجمع سائغ، أمَّا في صيغة المُتَكَلمفلا يُنْسَب ما فعله آباؤك إليك بصيغة المفرد المُخَاطب، فلا يقال في الآية المذكورة إذْ قَتْلَ أَنْتَ أيها الفلان لأنَّهِ يَقْتَضِي إنتساب الفعل إليه حقيقة، والغَرَضُ