للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

والحل عندي أن النبيد وإن كان ماء مقيدًا ألا أنهم يُحُلونه محل المطلق، لأنهم كانوا يجعلون الماء المالح حلوًا بهذا الطريق، كتبريدنا الماء بالثلج فيلقون فيه تميراتٍ ليظهر حلاوتها، ثم يشربونها. وإنما كانوا يفعلون هذه لعِزَّة الماء الحلو عندهم، وهذا الطريق كان معروفًا كما في «بلوغ الأرب في أيام العرب» (١) والكِرماني، وحينئذ دار النظر فيه، فإِن نظرنا إلى الاسم فهو مقيَّد، وإنْ رأينا مَحَل استعماله فهو مطلقٌ، وإن شئت قلت: إنه كان ماءً مطلقًا عندهم عُرْفًا، ولهذا التردد جاءت رواية التيمم مع الوضوء (٢) وراجع له «العقد الفريد» وكتاب «الناسخ والمنسوخ».

قوله: (ولا بالمُسْكِرِ) والحديثُ يخالف أبا حنيفة رحمه الله تعالى في مسألة المسكرات، ويوافق الجمهور. وغرض البخاري منه أنه إذا كان حرامًا فعدم جواز الوضوء منه أظهر. قلت: ومسألة المسكر وإن استنصر له الطحاوي وأجاد فيه، إلا أن تَوَاتُرَ الأحاديثِ يخالِفُه.

٧٦ - باب غَسْلِ الْمَرْأَةِ أَبَاهَا الدَّمَ عَنْ وَجْهِهِ

وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ امْسَحُوا عَلَى رِجْلِي، فَإِنَّهَا مَرِيضَةٌ.

٢٤٣ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِى حَازِمٍ سَمِعَ سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ السَّاعِدِىَّ، وَسَأَلَهُ النَّاسُ وَمَا بَيْنِى وَبَيْنَهُ أَحَدٌ بِأَىِّ شَىْءٍ دُووِىَ جُرْحُ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ مَا بَقِىَ أَحَدٌ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّى، كَانَ عَلِىٌّ يَجِىءُ بِتُرْسِهِ فِيهِ مَاءٌ، وَفَاطِمَةُ تَغْسِلُ عَنْ وَجْهِهِ الدَّمَ، فَأُخِذَ حَصِيرٌ فَأُحْرِقَ فَحُشِىَ بِهِ جُرْحُهُ. أطرافه ٢٩٠٣، ٢٩١١، ٣٠٣٧، ٤٠٧٥، ٥٢٤٨، ٥٧٢٢ - تحفة ٤٦٨٨

لا يريد بيان مسألة الدم فقط، بل نظره إلى خصوص من غَسْل المرأة، لأنه اختار أن مسَّ المرأة غيرُ ناقض.

قوله: (عن وجهه) وإنما ذكره طِبْقًا للقِصَّة.


(١) قال السيد محمود الشكري في باب ما يعتبر به جودة الماء عند العرب من كتابه "بلوغ الأرب": وعلى كل حال أن الماء البارد أنفع، ولا سيما إذا خالطه ما يحليه كالعسل، والزبيب، والسكر، ونحو ذلك، فإِنه من أنفع ما يدخل البدن، وأحفظ عليه صحته. اهـ. وكنت طالعته في سالف من الزمان، فرأيت فيه ما هو أصرح منه، ولكني لم أجد فيه الآن غير هذا.
(٢) قلت: وهذا كاللحم، فإِن السمك لحمٌ حقيقةً، وعليه جرى القرآنُ، إلّا أنه لا يحنَث به الحالف لكونه مهجورًا عُرْفًا، فهذا موضِع مُشْكِل، فلحال العرف يسع لنا أن نقول: إِن مَنْ وجد النبيذ فقد وجد الماء المطلق، فينبغي له أن يتوضأ منه، ولكونه ماءً مقيدًا يسوغ لنا أن نقول فيه: إنه معدم للماء فيجب عليه أن يتيمم. فهذه من مراحل الاجتهاد دون مسائل النصوص، ومَنْ أراد من الحنفية أن يجعلها مسألة منصوصة فقد حاد عن طريق الصواب، والحق إن شاء الله تعالى ما نبهناك عليه، وله نظائر في الفقه أيضًا أكثر مِن أن تحصى فعليك بها.

<<  <  ج: ص:  >  >>