وإذ اختلفتِ الآثار في زوجها وجب حَملُها على وَجْه لا تضادَّ فيه. والحرية تَعْقُب الرقَّ ولا ينعكس، فثبت أنه كان حُرًا عندما خيرت عبدًا قبله، ومَنْ أخبر بعبوديته لم يعلم بحريته قبل ذلك. وقال ابنُ حَزم ما ملخصه: إنه لا خلاف أن مَن شَهِد بالحرية يُقدّم على مَنْ شهد بالرقِّ، لأن عنده زيادةَ عِلْم. ثُم لو لم يختلف أنه كان عبدًا، هل جاء في شيءٍ من الأخبار أنه عليه الصلاة والسلام إنما خَيَّرها، لأنها تحت عبد؟ هذا لا يَجِدُونه أبدًا؛ فلا فَرق بين مَن يَدَّعي أنه خَيَّرها، لأنه كان عبدًا وبين مَنْ يَدَّعي أنه خَيَّرها، لأنه كان أسود، واسمُه مُغِيثٌ. فالحق إذًا إنه إِنما خَيَّرها لكونها أُعتقت، فوجب تخييرُ كلِّ مُعتَقة، ولأنه رُوي في بعض الآثار أنه عليه الصلاة والسلام، قال لها: مَلَكت نَفْسَك، فاختاري، كذا في "التمهيد"، فكُل مَنْ ملكت نَفْسَها تختار، سواء كانت تحت حر، أو عبد، وإلى هذا ذهب ابنُ سِيرين، وطاوس، والشَّعبي. ذكر ذلك عبدُ الرّزْاق بأسانيدَ صحيحةٍ، وأخرجه ابن أبي شَيبة عن النَّخَعي، ومجاهد. وحكاه الخَطابي عن حَمّاد، والثوري، وأصحاب الرأي، وفي "التهذيب": للطبري، وبه قال مكحول. وفي "الاستذكار" أنه قولُ ابن المسيب أيضًا، اهـ. قلتُ: وفي كلام ابنِ حَزْم تَنْبيه على أنَّ الخبر قد يَرِد بحُكْم، ولا يكون فيه بيانٌ لِعِلّته، ثم يجيء واحِدٌ منهم، ويخرّج عِلّته من جانبه، ويسده إلى النصّ، كما مَرّ في حديث ابن عمرَ أنه رأى النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - مسْتدِبرَ الكعبة، فذلك منصوصٌ. أما أنه يُبنى على الفَرْق بين البيوت والصَّحارى، فذلك اجتهادٌ، وزعموه أَن الحديث نَصّ على ذلك، فكذلك التخيير فيما نحن فيه منصوصٌ، أما إنه لكون زوجها عبدًا، فذلك اجتهاد منهم، فافهم.