والمتبادر منه المسجد النبوي، وهو الذي يَقْتَضِيه «سنن البخاري» وكلامُ الحافظ، ويُسْتفاد مِنْ سِيرةِ محمد بن إسحق أنَّه مسجدٌ آخر دون المسجد النبوي، وقد عُرِف من عادةِ النَّبي صلى الله عليه وسلّم في السِيَر أنَّه كان إذا نَزَلَ منزِلا اتَّخَذَ مكانًا لِصَلاتِهِ يَحْجزه من أطرافه، وأصحابُ السِير يَذْكُرونه بلفظ المسجد سواءٌ يُسَمِّيه الفقهاء مسجدًا أوْ لا، وهذه واقعةُ الأحزابِ حين اغتسل النَّبي صلى الله عليه وسلّم بعد فَرَاغِهِ عنها وجاءه جبريل عليه السلام وأشارَ إلى بني قُرَيْظَة فحاصروهم فنزلوا على حُكْم سعد، وكان حليفهم في الجاهلية فَحَكَمَ فيهم بقضاء الله، فجاءه فقال:«قوموا إلى سيدكم»، لأنَّه كان جريحًا؛ القصة بطولها. ولعلَّ النَّبي صلى الله عليه وسلّم لما حاصَرَهُم إلى عِدَّةِ أيام، اتخذ هناك موضعًا لِصَلاتِهِ فما يَحْكُم به الوجدان أنَّ المراد من المسجد هو هذا وبه يُناسب قوله:(ليَعُودَه مِنْ قريب) فإنَّ المسجد النبوي كان على ستة أميالٍ منه فأين كان يَعُوده مِنْ قريب، وحينئذٍ لا يثبت ما رَامَهُ البخاري رحمه الله تعالى من التوسيع في أحكامِ المساجد، فإنَّه وإنْ كان في مسجدٍ، لكنَّه لم يكن مسجدًا مما نحن بصدده وهو المسجد الفقهي، على أنَّك قد عَلِمْتَ أنَّ تلك الواقعة كانت مَحْفُوفة بالقرائن إلا أنَّ البُخَاري يَسْتَنْبِط منها مسألة ولا يبالي.
قوله:(فمات) وكان دعا ربه أَنْ يُعطِيه حياة إنْ قَدَرَ بعد غَزْوَةٍ من قريش، وإلا فيُعَجِّل وفاتَه وكان جُرْحُه قد اندمل ثم تفسخ فلم يرقأ منه الدَّم حتى مات.
٧٨ - باب إِدْخَالِ الْبَعِيرِ فِى الْمَسْجِدِ لِلْعِلَّةِ
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ طَافَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى بَعِيرٍ.
٤٦٤ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ نَوْفَلٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِى سَلَمَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ شَكَوْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنِّى أَشْتَكِى. قَالَ «طُوفِى مِنْ وَرَاءِ النَّاسِ وَأَنْتِ رَاكِبَةٌ». فَطُفْتُ وَرَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّى إِلَى جَنْبِ الْبَيْتِ، يَقْرَأُ بِالطُّورِ وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ. أطرافه ١٦١٩، ١٦٢٦، ١٦٣٣، ٤٨٥٣ - تحفة ١٨٢٦٢