للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

واحدٍ منهم مقيم الحججَ لمذهبه، والشواهد على قوله؟، والنبيذ: كل ما ينبذ في الدُّباء، والمُزَفَّت، فاشتد حتى يُسكر كثيره، وما لم يشتد فلا يُسمَّى نبيذًا، كما أنه ما لم يُعمل من عصيرِ العنب حتى يشتدَ، لا يسمى خمرًا، كما قال الشاعر:

* نبيذ، إذا مرّ الذباب بدنّه ... تعطر، لو خر الذباب وقيدا

وقيل لسفيان الثوري، وقد دعا بنبيذ، فشرب منه، ووضَعَه بين يديه: يا أبا عبد الله اخشى الذباب أن تقعَ في النبيذ، قال: قبَّحَه الله إن لم يذبَّ عن نفسه. وقال حفص بن غياث: كنت عند الأعمش، وبين يديه نبيذٌ، فاستأذن عليه قوم من طلبةِ الحديث، فسترتُه، فقال لي: لم سترتُه؟ فكرهت أن أقول: لئلا يراه من يدخل، فقلت: كرهتُ أن يقعَ فيه الذباب، فقال لي: هيهات، إنه أمنعُ من ذلك جانبًا، ولو كان النبيذ هو الخمر التي حرمها الله في كتابه، ما اختلف في تحريمه اثنان من الأمة.

حدث محمد بن وضاح، قال: سألت حسنونًا، فقلت: ما تقول فيمن حلف بطلاق زوجته: إن المطبوخَ من عصيرِ العنب هو الخمر التي حرمها الله في كتابه؟ قال: بانت زوجته منه.

وذكر ابن قُتيبة في «كتاب الأَشربة» أن الله تعالى حرم علينا الخمرَ بالكتاب، والمسكرَ بالسنة، فكان فيه فُسحة، فما كان محرمًا بالكتاب، فلا يحلُّ منه، لا قليل، ولا كثير، وما كان محرمًا بالسنة، فإنَّ فيه فُسحة، أو بعضه، كالقليل من الديباج، والحرير يكون في الثوب. والحرير محرمٌ بالسنة، وكالتفريط في صلاة الوتر، وركعتي الفجر، وهما سُنة، فلا نقول: إن تاركَها كتاركِ الفرائض من الظهر والعصر.

وقد استأذن عبد الرحمن بن عَوف رسول الله صلى الله عليه وسلّم في لباسِ الحريرِ لبلية كانت به، وأذن لعرفجة بن سعد - وكان أصيبَ أنفه يوم الكلاب - باتخاذ أنفٍ من الذهب. وقد جعلَ الله فيما أحل عِوَضًا مما حرَّم، فحرم الربا، وأحل البيع، وحرم السِّفاح، وأحل النكاح، وحرم الديباج وأحل الوشى، وحرم الخمر، وأحل النبيذ غير المسكر. والمسكر منه ما أسكرك.

[مناقضة ابن قتيبة في قوله في الأشربة]

قال في - كتابه - فإنْ قال قائلٌ: إن المنكرَ هي الأشربة المسكرة، أكذَبَه النظر، لأن القَدَحَ (١) الأخير إنما أسكر بالأول، وكذلك اللقمة الأخيرة، إنما أشبعت بالأولى. ومن


(١) قلت: روى الإمام الأعظم أبو حنيفة النعمان عن حماد عن إبراهيم أنه قال في الرجل يشرب النبيذ حتى يسكرَ منه، قال: القَدَحُ الأخير الذي سكرَ منه هو الحرام اهـ ص ١٩٢ - ج ٢ جامع المسند، للخوارزمي.

<<  <  ج: ص:  >  >>