فأرة مطلقًا، سواء كان جامدًا، أو مائعًا، فإن كان مائعًا يُطرحُ من موضعِ الوقوعِ خمس غَرْفات ثم يؤكل.
قلتُ: ولا ينبغي أنْ يُنسب إليه مثل هذا القول، وقد مر أنه اختار الروايةَ غير المشهورة عن أحمد. وهي الفرقُ بين النجاسة الجامدة والمائعة، فالأولى لا تنجُسُ، سواء وقعت في الجامد، أو الذائب، وتنجُسُ الثانية. وعليها حُمل تبويبُ المصنف في الطهارة بوقوع الفأرة أولًا، فإنَّها نجاسة جامدة، وبالبول في الماء الراكد ثانيًا، فإنَّه نجاسةٌ مائعة، فكأنه أشار بالفرق بينهما.
وتأويلُ هذه الترجمة عندي أنه ذكر فيها الجامدَ، لكون الحديث فيه عنده، فإنَّ اتقاء ما حولَها لا يمكنُ إلا في الجامد. ثم ذكر الذائبَ، ولم يذكر حكمه، لينظر فيه الناظر. أما الزُّهري فإنَّه وإن سُئل عن السمن مطلقًا، لكنه لم يُجب إلا عن الجامد، ولم يذكر للمائعِ حُكمًا. وذلك لأن حديثَ البُخاري يدُل بمفهومِه على أنَّ المائعَ يتنجَّس، فلا ينبغي أن يعزوَ إلى المصنف ما يُخالِفُ مفهومَ الحديثِ عنده.
ثم إن هذا المفهوم أخرجه النسائي منطوقًا أيضًا، «فإنْ كان مائعًا فلا تقربوه»، وصححه الذُّهْلي شيخ مسلم، فدل مفهومُ حديث البخاري، ومنطوق حديث النسائي، على أنَّ السمنَ المائعَ يتنجَّسُ بوقوع النجاسة.
هذا ما عندي، فإنْ أبيت إلا أن تنسبَ إليه طهارةَ السمن في الصورتين، فلا بد لك أنْ تؤوِّل حديثَ البخاري، بأن أمر الاتقاء عنده محمول على الاستحباب، وحديث النسائي بأنه معلول عنده، كما نقله الترمذي عنه. إلا أنه أين يقع من تصحيح شيخه الذُّهْلي، والنسائي على ما اشترطه في كتابه. وقد مر الكلام مبسوطًا في الطهارة.
٣٥ - باب الْوَسْمِ وَالْعَلَمِ فِى الصُّورَةِ
٥٥٤١ - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى عَنْ حَنْظَلَةَ عَنْ سَالِمٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ تُعْلَمَ الصُّورَةُ. وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ نَهَى النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ تُضْرَبَ. تَابَعَهُ قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا الْعَنْقَزِىُّ عَنْ حَنْظَلَةَ وَقَالَ تُضْرَبُ الصُّورَةُ. تحفة ٦٧٥٣
٥٥٤٢ - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ هِشَامِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ دَخَلْتُ عَلَى النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - بِأَخٍ لِى يُحَنِّكُهُ، وَهْوَ فِى مِرْبَدٍ لَهُ، فَرَأَيْتُهُ يَسِمُ شَاةً - حَسِبْتُهُ قَالَ - فِى آذَانِهَا. طرفاه ١٥٠٢، ٥٨٢٤ - تحفة ١٦٣٢
٣٦ - باب إِذَا أَصَابَ قَوْمٌ غَنِيمَةً، فَذَبَحَ بَعْضُهُمْ غَنَمًا أَوْ إِبِلاً، بِغَيْرِ أَمْرِ أَصْحَابِهِمْ، لَمْ تُؤْكَلْ
لحديثِ رَافِعٍ عَنِ النبي صلى الله عليه وسلّم. وَقالَ طَاوُسٌ وَعِكْرِمَةُ: في ذَبِيحَةِ السَّارِقِ: اطْرَحُوهُ.