للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وفي فِقْهنا: أَنَّه يرده بجهر آية فإِنْ كانت الصَّلاة جهرية يَرْفَعُ بها صوتَه أَزْيَدَ من قراءتِه، وإِنْ كانت سِرِّية ففيها ثلاث أقوال لمشايِخنا، قيل: تَجِبُ سجدة السَّهْو بجهر كلمة، وقيل: بما زاد على الآية، وقيل: بآية.

قلت: يَجُوزُ الجهرُ بآية في الصَّلاةِ السِرِّية لِمَا ثَبَتَ عن النَّبي صلى الله عليه وسلّم وله أَنْ يَدْفَعه بالتسبيحِ أيضًا. ثُمَّ إِنَّ ابنَ دقيق العيد ذكر تفصيلا فيه لا أَذْكُره خوفًا من تهاونِ النَّاس.

قوله: (قاتله (١)) وهو عندنا محمولٌ على مزيدِ الكرَاهةِ والتقبيح في القلب دون القِتال حسًا، وحَمَلَهُ الشافعية على ظاهره، فَجَوَّزُوا الدرء بالعملِ أيضًا ويُدرأ عندنا بما مَرَّ، وَذَكَر القِتال في سياق المُبَالغة فقط، وكَتَبَ النَّووي تَحْتَه مسائل الدية، أَنَّ قَتْلَ المارِّ وهو عَجِيب لأنَّه ربما يَخْبِطُ النَّاظر فيظن أَنَّ الحديثَ ورد في القَتْل مع أَنَّه ليس بمراد، فكان الأولى أَنْ لا يَذْكُرها، وعلَّله في الحديث أنَّه شيطان.

قلت: ومن يَسْنَح بينه وبين مولاه فإِنَّه شيطان ولا ريب. ثم اعلم أَنَّ الشيطان من عالَمِ الأرواح أعني به أَنَّ له بَدنٌ مثالي يَتَصرف في الأجساد كتصرف الجِنّ، فكما أَنَّ الجنَّ يركب الإِنسان ويصرعه، ثُمَّ يتكلم بلسانه كذلك يَفْعَل الشيطان أيضًا والله تعالى أعلم بحقائق الأمور فأمكن، أن يركب على إنسان ويمر به أمام المُصَلِّي (٢).

١٠١ - باب إِثْمِ الْمَارِّ بَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّى

٥١٠ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِى النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ


(١) ويُلْحَق به حديثٌ أَخر فِيمَن اطلع على رجلٍ في منزلِهِ بلا إِذْنِه هل له فقأُ عينه كذلك أم لا؟ وتَكَلَّم عليه الطحاوي في مشكِله فقال: وفيما رَوَينَا مِنْ هذه الآثار، ما قد دَلَّ على أَنَّه لمَّا كان لصاحب المنزل ترك الاطلاع إلى منزله، كان قطع له ذلك عن منزله وإن كان في قطعه إياه تلف عين المطلع، وكان مَنْ كان له أَنْ يَفْعَل شيئًا ففعله معقولًا أَنّ لا ضمان عليه فيه، ثم أَخْرَج عن أبي هريرة مرفوعًا أَن مَنْ فقأ عينَه فلا دِية ولا قِصاص"، ثم قال في آخر الباب وهذا الذي ذكرنا مما لا يَسع خلافه ولا القول بغيره. انتهى مختصرًا. قلتُ: إِذَن هو كَمَن عض رجلًا فنزع يده فأندر ثنيته فقال له النَّبي - صلى الله عليه وسلم - "أَيَتْرُك يده في فمك تقضمها قضم الفَحْل" أو كما قال، ولكنَّه هل يلائم مذهب الحنفية فليُنظر فيه.
(٢) قلتُ: وقد يَدُور بالبالِ أنَّه على حَدِّ قولِه: إنَّ التثاؤب مِن الشيطان، وأَنَّ الاستحاضة رَكضة مِنَ الشيطان، فكل شيء يُخِلّ بالطاعات يُنسب إليه بأي معنىً كان، أو يقال إنَّه يُوَسْوِس إلى النَّاس بالمرور فيكون سببًا له كما في المشكاة في باب المعجزات في حديث أبي سعيد رضي الله عنه في قصةِ قدوم النَّبي - صلى الله عليه وسلم - عُسفان، وإقامته بها، حيث قال الصحابة: ما نحن ههنا بشيء، وإنَّ عيالَنا لَخلُوف فقال: والذي نفسي بيده ما في المدينة شعب ولا نقب إلا عليه مَلَكانِ يحرسانها قال الصحابة رضي الله عنهم فلمَّا دخلنا المدينة أغَار عليها بنو عبد الله بن عطفان وما يهيجهم قبل ذلك شيء -بالمعنى- فكان مِنْ آثار حراستهم ذهولهم عن الإغارة فكذلك الشيطان يُهيج النَّاس ليمروا، والوجه ما ذكره الشيخ رحمه الله تعالى فإنَّ الحديث على ظاهِرِهِ بدون تأويل، وإنَّما ذكَرْته لمن لا يستطيع أَنْ يحمل الأحاديث على ظاهرِها وتَتَردد إليه نَفْسُه فلا يُؤمن إلا قليلًا على حد قولهم: إِنَّ المراد مِنَ الله هو القدرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>