قوله:(أَمَّا الظَّاهِرَانِ، النيل والفُرَات) واعلم أنا (١) قد رَأَيْنَا الشرعَ يُطْلِقُ على مبادىء الأشياء الظاهرة أيضًا أسماءَ تلك الأشياءِ بعينها، كالفرات، والنيل في الظاهر؛ فإن لهما مبدآن في الباطن، وعَالَم الغيب، فأطلق الشرعُ أسامي الظاهر منهما على مبادئهما أيضًا. ونظيرُه الرَّعْدُ، فإن الشرعَ يُخْبِرُ أنهُ صوت الرعد، وأهلُ الفلسفة ذَكَرُوا له أسبابًا، وهو أيضًا صحيحٌ في الجملة. ولكن ما ذَكَرُوه أسبابه في الظاهر، وما دَلَّ عليه الشرعُ هو مبدأٌ لِمَا في الظاهر، فاشترك الاسم لا محالة، وليس على الشرع أن يتعرَّضَ إلى الأسباب الظاهرة. وذكر عند مسلم: نهران آخران أيضًا، سَيْحَان وجَيْحَان، وهما غير سَيْحُون وجَيْحُون، إذ الأوَّلان من آرمنياء بقرب الشام، والأخيران في أطراف بَلْخٍ، وبُخَاري.
٣٢٠٨ - قوله:(إنَّ أَحَدَكُمْ يَجْمَعُ خَلْقُهُ في بَطْنِ أُمِّهِ)، واختلف أهلُ السُّنَّةِ أن الأرواحَ مخلوقةٌ قبل الأبدان، أو تُخْلَقُ معها. والفلاسفةُ أيضًا مختلفون فيه. وذهب أبو عمر إلى الأوَّل، ومال ابن القيِّم إلى الثاني، وذكر تأويل الأحاديث التي تمسَّك بها أبو عمر. أمَّا أنا، فلا أريد الآن أن أخوضَ في هذه اللَّجَّةِ.
٣٢٠٩ - قوله:(ثم يُوْضَعُ لَهُ القُبُولُ) فالقَبُول إن بدا من خواصِّ عباده إلى العوام، فهو أمارةٌ لكونه نازلًا من السماء. أمَّا إذا بدا من العوام كالأنعام، فالله يدري ما هو صانعٌ به.
٣٢١٥ - قوله:(ويَتَمَثَّلُ لي المَلَكُ أحيانًا رَجُلًا) -المَلَكُ ههنا فاعلٌ، ورجلًا مفعول، مع اتحاد المِصْدَاق، فإن الرجلَ والملكَ في هذا الموضع عبارتان عن ذاتٍ واحدةٍ. وهكذا قلت في قوله تعالى:{وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ}[النساء: ١٥٧] أن نائبَ الفاعل في {شُبِّهَ} ضميرٌ يَرْجعُ إلى عيسى عليه الصلاة والسلام، وقد مرَّ تقريره مبسوطًا.
(١) قلتُ: ونحوه قوله - صلى الله عليه وسلم -: "تلك ركضة من الشيطان"، وكذلك: "التثاؤب، والعُطَاس في الصلاة من الشيطان"، كما: "أن الطاعونَ رياحُ الجِنِّ"، فإن لهما أسبابًا ظاهرة أيضًا.