(٢) قلتُ: والذي فهمتُ من مرادِ الشيخ رحمه الله تعالى وإن لم يكنْ من صريحِ ألفاظه، أنه لا ينبغي الشكُّ من مثل هذه الوقائع على وقوع الصغائر من الأنبياء عليهم الصَّلاة والسَّلامِ قبل البعثة، لأنها واقعةٌ واحدة فقط وقد عُلم فيها من أمره أيضًا أنه غُشي عليه، فالله سبحانه رباه وأدَّبه بهذا الطريق، ولهذا لم ير بعده عُريانًا. وكذلك الأنبياءُ عليهم السلام تربى بأعين الرب الحقيقي، فتلك أمورٌ تُلقى عليهم مرة أو مرتين من حيث كونهم بشرًا، ثم يُنبِّه عليها تكوينًا، كإلقاءِ الغَشْي ليكونوا على أُهْبَةٍ من أمرهم في المستقبل ولا يعودوا إليه، ومعلومٌ أن الوحي لا ينزل إلا بعد البعثة، فلم يكن إلى تهذيبهم سبيلٌ إلا بمثل هذه الأمور. وهذا كشقِّ صدره في أوان صِبَاه، وطرح حَظِّ الشيطان منه، فهذا من سنة الله، حيث خلقَ فيه حظِّ الشيطان أولًا، ثم طُرِحَ عنه، مع أنه أمكن أن لا يكون خَلقه في خُلقه وبنيته، ولكنه يفعل ما يشاء ويحكمُ ما يريد، فكذلك ههنا أَلْقى عليه التعرِّي ثم ألقى الغَشْيَ منه وإن أمكن التحفُّظُ قبل إلقاء التعري أيضًا، إلَّا أنه لم يظهر فيه معنى التربية والتأديب، وكان لا بد نظرًا إلى نسق هذا العالم، فالله سبحانه لا يحبُّ لأنبيائه قبل البِعثة ما لا يحب لهم بعدها، ولكنه يربيهم بهذا الطريق. اهـ منه.