للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٨ - باب كَرَاهِيَةِ التَّعَرِّى فِى الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا

٣٦٤ - حَدَّثَنَا مَطَرُ بْنُ الْفَضْلِ قَالَ حَدَّثَنَا رَوْحٌ قَالَ حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ إِسْحَاقَ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ قَالَ سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَنْقُلُ مَعَهُمُ الْحِجَارَةَ لِلْكَعْبَةِ وَعَلَيْهِ إِزَارُهُ. فَقَالَ لَهُ الْعَبَّاسُ عَمُّهُ يَا ابْنَ أَخِى، لَوْ حَلَلْتَ إِزَارَكَ فَجَعَلْتَ عَلَى مَنْكِبَيْكَ دُونَ الْحِجَارَةِ. قَالَ فَحَلَّهُ فَجَعَلَهُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ، فَسَقَطَ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ، فَمَا رُئِىَ بَعْدَ ذَلِكَ عُرْيَانًا - صلى الله عليه وسلم -. طرفاه ١٥٨٢، ٣٨٢٩ - تحفة ٢٥١٩ - ١٠٢/ ١

قال الفقهاء: أول الفرائض الإِيمانُ، ثم ستْرُ العورة، فهو فرضُ عينٍ في الخارج، وشرطٌ لصحة الصلاة.

٣٦٤ - قوله: (فحلَّه)، وفي عُمْره عليه الصَّلاة والسَّلام إذ ذاك اختلاف في السِّير، وينبغي أن يؤخذ بالأقلِ فالأقل منها. وقد علمت سابقًا أن الأشَاعِرَة جَوَّزوا الصغائر قبل البِعثة، ونفاها المَاتُرِيدِيَّة (١) وقالوا بالعصمة قبلها وبعدها. ثم هذا التَّعري كتعري موسى عليه الصَّلاة والسَّلام حين آذاه قومَه.

٣٦٤ - قوله: (فسقط مغشيًا عليه) وهذا يدل على أنه لم يزل بعين الرضا منه، وهو لفظ الأشعري في حق أبي بكر الصديق رحمه الله تعالى. وحاصله: حِفَاظتُهُ عما لا ينبغي من بدءِ الأمر، وإن لم يتوجه إليه الخِطاب بعد (٢).


(١) والشيخ أبو منصور تلميذ لمحمد رحمهما الله تعالى بثلاث وسائط، ومعاصر للأشعري، ولعل الأشعري أسنَّ منه، وقد جرى بينهما في بعض المسائل خِلاف أيضًا، وعدَّهُ شيخ الإسلام في حاشية البيضاوي في اثنين وعشرين موضعًا، وبعد الإمعانِ يشبِهُ النزاعَ اللفظي، وأصحابنا المتقدِّمون ينسبونهم إلى الماتريدي مع حسن الأدب بشأن الأشعري، وليسوا كالحنابلة، فإنهم يُسيئُون بشأنه، والحافظ ابن تيمية رحمه الله تعالى إِذَا مرَّ بشيءٍ من أشياءٍ يُسْقِطُ له في الكلام ولا يُحَاشي، كذا في تقرير الفاضل عبد العزيز.
(٢) قلتُ: والذي فهمتُ من مرادِ الشيخ رحمه الله تعالى وإن لم يكنْ من صريحِ ألفاظه، أنه لا ينبغي الشكُّ من مثل هذه الوقائع على وقوع الصغائر من الأنبياء عليهم الصَّلاة والسَّلامِ قبل البعثة، لأنها واقعةٌ واحدة فقط وقد عُلم فيها من أمره أيضًا أنه غُشي عليه، فالله سبحانه رباه وأدَّبه بهذا الطريق، ولهذا لم ير بعده عُريانًا.
وكذلك الأنبياءُ عليهم السلام تربى بأعين الرب الحقيقي، فتلك أمورٌ تُلقى عليهم مرة أو مرتين من حيث كونهم بشرًا، ثم يُنبِّه عليها تكوينًا، كإلقاءِ الغَشْي ليكونوا على أُهْبَةٍ من أمرهم في المستقبل ولا يعودوا إليه، ومعلومٌ أن الوحي لا ينزل إلا بعد البعثة، فلم يكن إلى تهذيبهم سبيلٌ إلا بمثل هذه الأمور. وهذا كشقِّ صدره في أوان صِبَاه، وطرح حَظِّ الشيطان منه، فهذا من سنة الله، حيث خلقَ فيه حظِّ الشيطان أولًا، ثم طُرِحَ عنه، مع أنه أمكن أن لا يكون خَلقه في خُلقه وبنيته، ولكنه يفعل ما يشاء ويحكمُ ما يريد، فكذلك ههنا أَلْقى عليه التعرِّي ثم ألقى الغَشْيَ منه وإن أمكن التحفُّظُ قبل إلقاء التعري أيضًا، إلَّا أنه لم يظهر فيه معنى التربية والتأديب، وكان لا بد نظرًا إلى نسق هذا العالم، فالله سبحانه لا يحبُّ لأنبيائه قبل البِعثة ما لا يحب لهم بعدها، ولكنه يربيهم بهذا الطريق. اهـ منه.

<<  <  ج: ص:  >  >>