مَسْرُوقٍ عَنْ مُغِيرَةَ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ كُنْتُ مَعَ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - فِى سَفَرٍ فَقَالَ «يَا مُغِيرَةُ، خُذِ الإِدَاوَةَ». فَأَخَذْتُهَا فَانْطَلَقَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى تَوَارَى عَنِّى فَقَضَى حَاجَتَهُ، وَعَلَيْهِ جُبَّةٌ شَأْمِيَّةٌ، فَذَهَبَ لِيُخْرِجَ يَدَهُ مِنْ كُمِّهَا فَضَاقَتْ، فَأَخْرَجَ يَدَهُ مِنْ أَسْفَلِهَا، فَصَبَبْتُ عَلَيْهِ فَتَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ، وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ، ثُمَّ صَلَّى. أطرافه ١٨٢، ٢٠٣، ٢٠٦، ٣٨٨، ٢٩١٨، ٤٤٢١، ٥٧٩٨، ٥٧٩٩ - تحفة ١١٥٢٨
والظاهرُ أن نظرَه إلى قِطَعِه يعني أن الثوبَ إذا قُطع على طريق غير طريق العرب، جازت الصلاة فيه، فإن النبي صلى الله عليه وسلّم صَلَّى في الجبة الشامية، وليس نظرُهُ إلى مسألة الطهارة والنجاسة كما فَهِمُوه.
ثم اعلم أن مسألة الشعار إنما تجري فيما لم يرد فيه النهيُّ من صاحب الشرع خاصة، وما ورد فيه النهيُّ، فإنه يمنع عنه مطلقًا، سواءٌ كان شعارًا لأحدٍ أو لا. أما إذا لم يرد به النهيُّ وكان شعارًا لقوم يُنهى عنه أيضًا، فإِن لم يكُفُّوا عنه حتى حصل فيه الاشتراك أيضًا، واختارَه الصُّلَحَاءُ بكفِّ اللسان عنه (١).
ثم إنه يتبادر من كتب الفتاوى هدرُ الاحتمالات بالكلية، والذي أظن أن الأمرَ ليس بهذا التوسيع. ففي المتون أنهُ يكره سؤرُ الدجاجة المُخَلاة. وفي «فتح القدير» أن الكراهة تنزيهية، فدل على عبرتها شيئًا، فعلى هذا ينبغي أن لا يوسع فيه كل التوسيع. ولا تلغى الاحتمالات بأسرها. وفي «البحر» أن الماء إذا كان في فَلاة من الأرض وكانت حولَهُ آثارُ أقدامِ الوحوش كُرِه، مع أنهم قالوا: إن الماء إذا كان كما وُصف لا يتنجَّسُ، ما لم توجد مشاهدة جُزئية، أو إخبار بوقوع النجاسة، كذلك ثيابُ الكفار التي تُجلب من بلادهم لا يحكم عليها بالنجاسة، ما دام لم يوجد فيها أحد الأمرين. وكذلك قال الفقهاء: إن في الأطعمة والأشربة والألبسة والأدوية يعتبرُ بالاحتمالِ الغالب، ولا معتبرَ بالمرجوح، وقد مر فيه بعض الكلام.
قوله:(قال الحسن) ... إلخ وهكذا عندنا. وقد مر مني أنه وإن كان فيه توسيعًا في كتب الفتاوى لكن فيه تفصيلٌ في المتون، فينبغي أن يفصَّلَ بالقِلة والكثرة، ويعتبرُ بما يكثُرُ وقوعهُ، ويهدَرُ بما قل وقوعه.
قوله:(رأيت الزهري) ... إلخ ولعل المراد منه اللُّبس بعد الغَسْل، لأن مذهَبَه نجاسة الأبوالِ كما مر عن «مصنف عبد الرزاق»، ويومىء إليه ما عند البخاري:«هل تشرب أبوال الإِبل» ... إلخ. فالاستدلال منه على طهارته عنده في حيِّزِ الخفاء، ورأيت أثرًا في الخارج أن عمر رضي الله عنه أراد أن ينهى عن ثياب اليمن وكانت تصبغ بالبول، فقام أبيُّ وقال: إنك لا تستطيعهُ، لأن النبي صلى الله عليه وسلّم لم ينه عنه، فسكت عمر رضي الله تعالى عنه.
(١) قلت: وقال الحافظ رحمه الله تعالى: إن هذه الترجمة معقودةٌ لجواز الصلاة في ثياب الكفار ما لم يتحقق بنجاستها، وروي عن أبى حنيفة رحمه الله تعالى كراهية الصلاة فيها إلا بعد الغَسْل، وعن مالك إن فعل يعيد في الوقت. انتهى مختصرًا.