للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

للبائع: لا تَبِعْهُ منه، بل بِعْهُ مني، فهذا إضرارٌ للمشتري، فنهاهما أن يُضَارَّ أحدُهما الآخرَ.

٢١٤٠ - قوله: (نَهَى رسولُ الله صلى الله عليه وسلّم أن يَبِيعَ حاضرٌ لِبَادٍ) ... إلخ، وعند أبي داود عن أنس، قال: «كان يُقَال: لا يَبِيعَ حاضرٌ لبادٍ»، وهي كلمةٌ جامعةٌ: لا يَبِيعُ شيئًا، ولا يَبْتَاعُ شيئًا. وعنده في «تفسيره» عن ابن عباس، قال: لا يكون سِمْسَارًا، وهو عند النَّسائي أيضًا. وعند أبي داود، والترمذي: «دَعُوا الناسَ يَرْزُقُ اللهُ بعضَهم من بعض». اهـ.

وصورة هذا البيع: أن يقولَ الحاضرُ للبادي أن يَضَعَ طعامَه عنده، حتى إذا غَلا السعرُ، يَبِيعُه له لِيَرْبَحَ فيه، فنهى عن ذلك. فإن في بيع البادي، وإن كان ضررًا له، لكنَّ اللهُ سبحانه كذلك يَرْزُقُ بعضَه من بعضٍ، فَيَخْسَرُ واحدٌ، ويَرْبَحُ آخرُ. فهو تكوينٌ منه، فلا يَدْخُلُ فيه، إلا أن يَرَى الحاضرُ أن في بيعه ضررًا فاحشًا له، فحينئذٍ ينبغي أن يَجُوزَ له أن يَبِيعَ لأخيه البدويِّ إعانةً له. أمَّا الشرعُ، فلا يَرِدُ إلا بالنهي، فإنه وإن كان ضررًا بالبائع البادي، لكنه يَعُودُ ربحًا للحاضر. فكما أن إعانته البدوي معقولٌ، كذلك إعانته الحاضر أيضًا، والله سبحانه يَأْخُذُ من بعضٍ، ويُعْطِي بعضًا رزقه، فلا يَجُوز له حسب موضوعه أن يتخلَّل فيه. وأما الفقهاءُ، فلهم موضوعٌ آخر، ومسائلهم حسب موضوعهم.

٥٩ - باب بَيْعِ الْمُزَايَدَةِ

وَقَالَ عَطَاءٌ أَدْرَكْتُ النَّاسَ لَا يَرَوْنَ بَأْسًا بِبَيْعِ الْمَغَانِمِ فِيمَنْ يَزِيدُ.

٢١٤١ - حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ الْمُكْتِبُ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِى رَبَاحٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ - رضى الله عنهما - أَنَّ رَجُلًا أَعْتَقَ غُلَامًا لَهُ عَنْ دُبُرٍ، فَاحْتَاجَ فَأَخَذَهُ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ «مَنْ يَشْتَرِيهِ مِنِّى» فَاشْتَرَاهُ نُعَيْمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بِكَذَا وَكَذَا، فَدَفَعَهُ إِلَيْهِ. أطرافه ٢٢٣٠، ٢٣٢١، ٢٤٠٣، ٢٤١٥، ٢٥٣٤، ٦٧١٦، ٦٩٤٧، ٧١٨٦ تحفة ٢٤٠٨

أي (نيلام)، وهو في الشرع: الزيادةُ في الثمن، وذا جائزٌ. أمَّا ماأدخله الناسُ فيه من التفاصيل من جائزٍ وحرام، فهي عليهم.

٢١٤١ - قوله: (من يَشْتَرِيه مِنِّي) ... إلخ، تمسَّك به الشافعيُّ، ومن ذهب مذهبَهُ على جواز بيع المُدَبَّر. وأجاب (١) عنه الحنفيهُ: أنه كان مُدَبَّرًا مُقَيَّدًا. ويَرّدُّه ما عند مسلم، والنَّسائي،


(١) قال ابن العربي في "العارضة": هذا الحديث ليس من النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَيُقَال: يَلْزَمُ الانقياد إليه على كل حالٍ. وإنما هي قضيةٌ في عينٍ، وحكايةٌ في حال، فلا تُعَدَّى إلى غيرها إلا بدليلٍ. هكذا إذا كانت مجرَّدة عن الاحتمال. وإذا تطرَّق إليها التأويل، سقط منها الدليل. والذي يَدُلُّ على الاحتمال فيها، وأنه خارجٌ عن طريق الاحتجاج، قوله: ولم يكن له مالٌ غيره، ولو كان بيعه، لأن التدبيرَ لا يقتضي منعًا، ولم يُوجِبْ عِتْقًا، لم يكن لذكر الراوي.
وقوله: ولم يكن له مالٌ غير معيَّن، ولعلَّ الصواب: غيره معنى. ولا يَجُوزُ إسقاط بعض الحديث، والتعلُّق ببعضه. ويحتمل أن يكون سفيهًا، فردَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فعله. وعليه حمله البخاريُّ، وبوّب به، وأدخله في الباب. وقال بعضُ العلماء: باعه في دينٍ، وهذا باطلٌ، فإِنا قد بيَّنا في الصحيح: أنه دفعه إليه، وأمره أن يَعُودَ به على قرابته وعليه في معاشِهِ ودَيْنِهِ. وقد قال جماعةٌ: تُرَدُّ أفعال السفيه، والله أعلم. "العارضة" ولعلَّ في العبارة بعض سَقْطٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>