وقد تكلمنا عليه مرة، ونبهناك فيما مر على أن مصداق الآية عند عائشة عبد الله بن أبي، ونسب إليها بعض الرواة أنه حسان بن ثابت، كما مر من الصحيح، وهو بعيد عن الصواب عندي، فإذا بلوت من حال الرواة ما رأيت، فليعدل أن اتباع الواقع أولى، أم الوقوف على الألفاظ، ثم إني أتردد فيما رواه الترمذي أيضًا أن حسان حد حد القذف، كيف! ولم يثبت عندي القذف منه، واعلم أن العلماء قالوا: إن الشرك قد وجد في بعض بيوت الأنبياء عليهم السلام، كما في بيت نوح عليه الصلاة والسلام، وامرأة لوط عليه الصلاة والسلام، أما نحو تلك الفاحشة فلا، قلت؛ وقد مر مني أن أمثال تلك الأمور قد تبتلى بها الأنبياء عليهم السلام أيضًا، ليرى ثباتهم ومكانهم من الاستقامة، ويعلم الناس أنهم ليسوا ممن أقاموا الحد على وضيعهم، ودفعوه عن عظيمهم، ولذا لم ينقل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذلك شيء من التساهل، ولكنه لم يزل يفتش أمرها حتى برأها الله من فوق العرش، وأنزلت في شأنها سورة تتلى، فظهر من ذلك استقامته، وثباته في الدين، ولذا قال تعالى:{لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ} فإن نحو هذا الإرجاف كان مظنة شر، يظنه أحد، فأزاحه، وقد مر أن الأنبياء عليهم السلام قد ابتلوا من جهة النساء من قبله أيضًا، فآدم، ونوح، وإبراهيم، ولوط، وموسى، وعيسى عليه السلام وقد أوذوا من جهتهن، أما يوسف عليه السلام فقد ابتلى بما ابتلى (١).
(١) قلتُ: أشدُّ الناس بلاءً الأنبياءُ، ثُم الأمْثل فالأمثل، فقدِّر في نفسك أنه ما الفرقُ بين ابتلاء يُوسُفَ عليه الصلاة والسلام، بامرأةٍ، وابتلاء نبيِّنا - صلى الله عليه وسلم - في أحبِّ أَهْله، أي هذين تَراهُ أشد؟ ثُم اللهُ برّأ نبيه يوسُفَ عليه الصلاة والسلام، وزوجةُ نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - كلاهما، وهل بين البراءتين فَرْقُ؟ فقد تكلَّم الناسُ فيه بكلماتٍ لا أُحِبّ أن أتكلَّم بها.