والظلمةُ فيه من لفظ الحديث، وإنَّما أتى به لِيَكْشِفَ به معنى الحِجَاب، فإنَّه لا حِجَابية في النور، فعبَّر عن معنى الحِجَابية بالظلمة.
ثم إنَّك قد سَمِعْتَ منَّا في أمر الصورة ما سَمِعْتَ، فاسمع الآن ما ذَكَرَهُ الماتريديُّ في الكلام النفسيِّ، فإنه قال: إنَّه غيرُ مسموعٍ، خلافًا للأشعريِّ، فذهب إلى أنَّه مسموعٌ. وحينئذٍ، فالكلامُ المسموعُ من الشجرة عند الماتريديِّ، كان مخلوقًا للَّهِ تعالى، فهل تتعقَّل انفصالَ الكلام عن المتكلِّم؟ وإن كنتَ عَقِلْتَه، وفَهِمْتَهُ، فهلَّا قِسْتَ عليه أمرَ الصورة، ليتجلَّى لك الحالُ؟.
ثم إنَّ تجلِّي الوجه عندي يكون في الجنَّةِ، وتجلِّي الساق في المحشر، وهذا يَعْرِفُهُ المؤمنون. وتجلِّي القدم لخيبة جهنَّم، والله تعالى أعلمُ بحقيقة الحال.
وبالجملة: الرؤيا عبارةٌ عن رؤية تلك التجلِّيات (١).
(١) قلتُ: هذا مبحثٌ دقيقٌ جدًّا يتعلَّق بذاته وصفاته تعالى، وأفسحتُ من كلام الشيخ بِقدْرِ ما عَقِلْتُ. وأنا أَخْشى ممَّا أقتحمُ فيه، إلَّا أني لم أجد منه بُدًّا، فها أنا أستغفر اللهَ العظيمَ على ما فَرَطَ منِّي من الخطأ في هذا المطلب، وأدعوه أن لا يُؤَاخِذْني بما لا يَضُره، وأدعوه دعاءَ المسكين، وابتهلُ إليه ابتهالَ المذنبِ الذليلِ، والمشفقِ المعترفِ بذنبه، وأدعوه دعاءَ البائس الفقير، والمضطرِ الضريرِ. اللَّهُمَّ هذا الدعاءُ، وعليك الإِجابةُ، فإنَّك أنت المستغاثُ، وأنت المستعانُ، ولا حولَ ولا قوَّةَ إلَّا بك.