ودجالُك خيرُ دجَّال، حيث حَفِظلك من الناس، ثُم ما كان لأحد في قتله حاجة، إلا أنه كان جبانًا، يَحْسَب كُلَّ صيحةٍ عليه، ويستظل بِظِلِّ دجَّاله؛ فَسُبحانَ اللهِ من مسيحٍ مات ولم يَقْتَرِف من دُنياه لعُقباه، إلا نارُ الأنيار، وسبحانَ من دجالٍ ردَّ على نفسه كَيْدَ مِسيحه، وبقي حيًا بعده، يتقوَّى أَمْرُه يومًا فيومًا؛ والله ما كان ربُّنا لِينزل مسيحًا، يهزًا منه دجَّالُه، ولكنه إذا نزل حَقًّا يذوبُ منه عدوُّ الله، كلملح، فَيَقْتُله، ولو تركه لانذاب، هذا مسيُحنا، ينتظرُ عليه الصلاة والسلام.
[فائدة]
واعلم أنَّ الحديث لم يُجْمع إلا قطعةً قطعة، فتكون قطعةٌ منه عند واحد، وقطعة أخرى عند واحد، فليجمع طُرْفة، وليعمل بالقَدْر المشترك، ولا يجعل كلُّ قطعة منه حديثًا مستقِلا فهذه داعيةٌ، وأخرى فوقها أوهام الرواة في باب الروايات؛ فصارت تلك ضغثًا على إبالة، وقد وقعت في الصحيحين أيضًا؛ وإنْ كان يَعرِفها أصحاب الفن، فلا ينبغي أن يُعامل معه معاملةَ القرآن الذي هو محفوظٌ في الصُّدور، مصونٌ عن الظنون؛ ألا ترى أنه أخبر بِهَلاكَ قَيْصر، وأخبر ببقائهِ في الجملة أيضًا، فيجمعان، ويؤخذُ المرادُ منهما، وليس الاقتصارُ على أحدهما، وتركُ الآخَر من العمل في شيء، وهكذا الاستدلالُ من الحديث على عَدَمِ عِلم النبيِّ صلى الله عليه وسلّم بحقيقةِ الدجَّال جَهْلٌ: فإِنَّ تلك الخطبةَ إذا وُجِدت في هذا الطريق، فَلْيُراعِها في جميعها، وإن لم يذكرها الراوي، فإِنَّه يُحْمل على اقتصاره، ولذك غَيرُ قليلٍ منه.
(١) وفيه خلاف، نقله العَيْني؛ قال: قال الشافعي، وأشْهب، وسُحْنون: إنَّ الذي أسلم في دار الحرب وبقي فيها مالهُ وولدهُ، ثُم خرج إلينا مُسْلِمًا، ثُم غزا مع المسلمين بلدَه، أَنَّه قد يَحْرُز مالَه، وعَقارَه، حيث كان، وولَدَه الصغار، لأنهم تبَعٌ له في الإِسلام. وقال مالك، والليث: أهلُه، ومالُه، وولدُه فيها فيء على حُكْم البلد. مفرَّق أبو حنيفة بين حُكْمها إذا أسلم في بلدِه ثُم خرج إلينا، فأولادُه الصغار أحراز مسلمون؛ وما أودعه، أو ذميًا فهو له؛ وما أودعه حَرْبيًا فهو وسائرُ عقارُه هنالك فيءٌ. وإذا أسلم في بلد الإِسلام، ثم ظهر المسلمون على بلده، فكل ماله فيه فيء لاختلاف حكم الدارين عنده، اهـ (٧/ ٩٦)، وقد تكلم فيه المارديني أبْسَط منه، وأجود، فليراجع "الجوهر النقي"، وراجع معه العَيني أيضًا.