للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقد تصدَّى بعضهم إلى إثبات الاضطراب فيه. ففي رواية: «أولاهُنَّ بالتراب» وفي رواية: «أخراهن»، وفي أخرى: «إحداهن». قلت: بل ينبغي أن تجوزَ الصور كلها ولا اضطرابَ ولا حاحة إلى إقامة الترجيح كما قال بعضهم: إن الراجِحَ أولاهن.

ثم الوجه في الأمر بالثامنة عندي أنَّ الترابَ لمَّا كان له دخلٌ في التطهير عدَّه الراوي غسلًا مستقلًا، فهو داخلٌ في السبع، ودليله أنَّه أمَرَه في عين تلك الرواية بالتسبيع، ثم قال: وعَفِّرُوه الثامنة. ولو أرادَ الغسل ثمان مرات لقال: فاغسلوه ثمان مرات، وعفروه الثامنة ... إلخ. ولكنه أَمَر أولًا بالتسبيع، فذكر العددَ المطلوب ثم فكَّكَ الراوي منها واحدةً وعدَّها ثامنة في التعبير فقط.

قال الحافظ ابن تيمية: إنَّ الكلب يكثر من فِيهِ اللعاب فيغلبُ على الماء ولا يتميز منه لكونه مائعًا أيضًا. وأنت تعلم أنه تغيَّرَ المناطُ، لأنه كان في أصل التغير وعدمه. ثم لا أدري ماذا أراد به؟ فإن أراد أنَّ الماءَ كان في الأصل طاهرًا إلا أنه تنجَّس لأجل عدم تخليص اللعاب منه وهو نجس، فهذا مجرد اعتبار، لأنهم لا يعنونَ بحكم التَّنجيسِ على شيء إلا اختلاطُ النجَاسة به، ولا معنى لكون الشيء نجسًا غيره وهل يتنجسُ الطاهر إلا باختلاط النجَاسة، فأي اعتبار هذا. وقد يتعللُ بأن لعابَه لزجٌ فلا يستحيل بالسرعة. قلت: وخرج منه مناطٌ آخر غير ما ذكره أولًا، وهو الاستحالة وعدمها، فالحافظ رحمه الله تعالى مع جلالة قدرِه اضطرب كلامهُ في المناط، ولا أظن بالشريعة أن تنوطَ أحكام النجاسة والطهارة فيها على الاستحالة وغيرها، مما لا يُدرى إلا بعد الممارسة الطويلة، ولشرحها موضع آخر.

قوله: (وممرها) ... إلخ وفي الكلب روايتان عن أبي حنيفة: في رواية أنه نجسُ العينِ، هو ما يكونُ نجسًا بجميع أجزائه ولا يُستثنى منه شيء. وفي المشهورة أنه نجسُ اللحم، فإن صلَّى حاملًا إياه في كمه، صحت صلاتُه إذا لم ير عليه أثر نجاسة. قيل: إنما كانت تُقْبِلُ وتدبر لأنه لم يكن للمسجد إذ ذاك باب. قلت: ويمكن ذلك مع وجود الأبواب أيضًا كما هو مشاهد في زماننا، وعند أبي داود: تبول أيضًا، وحينئذٍ أشكل.

قوله: (قال الزهري) ... إلخ قال الحافظ رحمه الله تعالى: إن البخاري اختار مذهبَ مالك رحمه الله تعالى. وقال العيني رحمه الله تعالى: إنه اختار مذهبَ أبي حنيفة رحمه الله تعالى، وهو الأجه عندي. فإِنه لم يُفصح في ترجمته بما يدل على طهارة سؤر الكلاب، ولا أخرج حديثًا يكون دليلًا على ذلك، بل أخرج حديث الغَسْل سبعًا الذي يدل على كونه من أغلظ النجاسات. وأما أثر الزهري فلا دلالة فيه على طهارته عنده، بل رُوي عنه في «مصنَّف عبد الرزاق» الأمر بإراقة سؤرها.

أما ما أخرجه البخاري فهو نظيرُ مسألتنا: أَنَّ المُصلي إذا لم يجد إلا ثوبًا نجسًا هل يُصَلي عُريانًا أو في ذلك الثوب. فكما أنها لا تدل على عدم نجاسة هذا الثوب عندنا، كذلك قول الزهري فيمن لم يكن عنده غيرُ هذا السؤر، لا يكون دليلًا على طهارته وهو ظاهر.

<<  <  ج: ص:  >  >>