للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

في الكتب رواية عن أبي حنيفة، فيمكن أن يكونَ استحبابه من باب الخروج عن الخلاف، بخلاف ما في «التحرير» فإنَّه صريحٌ في كونه روايةً عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى، فصار التسبيع مستحبًا على المذهب لا على طريق الخروج عن الخلاف، فإِنَّه باب آخر يجري فيما لا يكون فيه رواية عن الإِمام أيضًا.

ثم إن راوي الحديث أبو هريرة أفتى بالثلاث أيضًا كما عند الطحاوي، وصححه ابن دقيق العيد. وما أخرج عنه الحافظ رحمه الله تعالى من فتوى التسبيع فإنه لا يضرُّنا، بل يؤكد الاستحباب، ثم فتوى الثلاث رفعه الكرابيسي كما في «الكامل» وهو حسين بن علي الكَرَابيسي من معاصري أحمد رحمه الله تعالى، من كبار العلماء - وإنما حَمَلَ ذكره لما جرى بينه وبين أحمد رحمه تعالى من الخلاف.

ومنه تعلَّم البخاريُّ وداود الظاهري مسألة: لفظي بالقرآن مخلوق، ولم أطلع عليه بِجَرْحٍ فيه، فإِن كانت هذه المسألةُ هي سببُ الجرح فيه، فالبخاري أيضًا يصيرُ مجروحًا. ومع هذا أتردد في رفعه، ولعله وَهَمٌ منه.

ثم فتوى التثليثُ وإن لم تكن مرفوعةً، لكن أخرجَ الطحاوي في باب سؤر الهرة إسنادًا أن كلَّ حديثِ أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلّم وإنَّما كان يفعلُ ذلك لأن أبا هريرة لم يكن يحدثهم إلا عن النبي صلى الله عليه وسلّم فدلَّ على أن فتوَاه وإن كانت موقوفةً لكنها في حكم المرفوعِ. قلت: الكُلِّية محل ترددٍ عندي، نعم، كل ما رواه ابن سيرينَ عنه فهو مرفوع قطعًا، ثم لا عليك أن تحمل التسبيع على زمان كان فيه التشديد في أمرِ الكلاب (١)، ثم خُفِّف فيه، فلعل أمر التسبيع كان عند أمره بقتل الكلاب، وإذا خفف في الكلاب وأباح لهم الاصطيادَ بها خفف في أمر التطهير أيضًا.

ونظيره النهي عن استعمال الأواني المخصوصة بالخمر (٢). ثم قال: «إن الأواني لا تحرم شيئًا ولا تحلله» فاستعملوا كلها غير أنه لا تشربوا مسكرًا. وألزم الطحاوي أنكم لو عملتم بالتسبيع لأجل حديث أبي هريرة فعليكم أن تقولوا بالثامنة لحديث عبد الله بن مُغَفَّل ففيه: «وعفِّرُوه الثامنة بالتراب».

قلت: وهو رواية عن أحمد رحمه الله تعالى أيضًا إلا أنَّ النَّووي حَمَله على أن المراد منه اغسلوه سبعًا واحدةً منهن بالتراب مع الماء، فكان الترابُ قائمًا مَقَام غَسْله، فسميت ثامنة لهذا.


(١) قلت: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما أمر بقتلها حين لم يلقه جبريل بعد مُوَاعدة منه، فعند مسلم: فأصبح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومئذٍ فأمر بقتلِ الكلاب ... إلخ. كذا في "المشكاة" من باب التصاوير. وعند أبي داود الدارمي: "لولا أن الكلابَ أمةٌ من الأممِ لأمرت بقتلها كلِّها فاقتلوا منها كل أسود بهيم"، كذا في "المشكاة" من باب ذكر الكلب، قلت: ولذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إن الكلبَ الأسود يقطعُ الصلاة" كذا في أحاديث السترة.
(٢) فقد أخرج الترمذي في الأشربة عن سليمان بن بريدة عن أبيه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إني كنت نَهيتُكم عن الظروف، وإن ظرفًا لا يُحلُّ شيئًا ولا يحرِّمه، وكل مسكر حرام" هذا الحديث حسن صحيح.

<<  <  ج: ص:  >  >>