(١) قال صاحب "الهداية": والسجدةُ الثانيةُ في الحج للصلاة عندنا. وفي "الكفاية": ومذْهَبُنَا روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه، وابن عمر رضي الله تعالى عنه، قالا: "سجدةُ التلاوة في الحج هي الأُولى، والثانية سجدةُ الصلاة، حيث قرن به، وقال: {ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} [الحج: ٧٧] والسجدةُ المقرونةُ بالركوع سجدةُ الصلاة. قلتُ: وقد تعقب عليه ابنُ القيم من وجوه: منها أن السجدةَ المقرونةَ بالعبادةِ لما لم يدل على كونِهَا سجدة الصلاةِ فكذلك المقرونةُ بالرُّكوع أيضًا. قلتُ: ولقائل أن يقول بالفرق: إن السجدةَ المقرونةَ بالرُّكوع لا تكونُ إلا في الصلاةِ، بخلاف المذكورة مع العبادة. كقوله تعالى في النَّجم: {فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا (٦٢)} [النجم: ٦٢] فإن العبادة أوسعُ من السجودِ وغيره فلا تستلزم السجدةَ. ومنها أن أكثر السجدات المذكورة في القرآن متناوِلة لسجودِ الصلاة، فإن قوله تعالى: {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا} [الرعد: ١٥] يدخل فيه سجود المصلين قَطعًا ... إلخ. وجوابُه أنه فَرق بين كونِه متعددا وبين كونه داخِلًا في عموم السجود، فالمقرونة بالركوعِ هي التي في الصلاةِ فتختص بهما، بخلاف غير المقرونة فلا تختص كذلك. وبالجملة الإيرادات كلهَا من باب التضييق في محل الاستدلال، مع أن أكثرَ الاستدلالات من القرآن تكون على نحو إيماء ومناسبات، وقلما يكون أَن يَردِ النص متعينًا لواحدٍ، وإنما شأنه أرفع وأرفع، فيَرِدُ محتمَلًا للمَحَامِل، غير أن بعضَها أَقْرَبُ من بعض، فمن كان في يديه ظاهر النص فهو الأَسْعد به. =