بقي القول، أي الحديث القولي فقط، فلم يخلص عن اضطراب، فإِن ألفاظَه تشعِر بأنه مأخوذٌ من أَلفاظ القصة لتقاربها من ألفاظ القصة جدًا. فإِذا كان نحو الدارقطني عَلله، ونحو البخاري أشار إليه، فلا أَقَل من أنه يورث شبهة في كونِه مَرويا بالمعنى. والحافظ رحمه الله تعالى وإنْ أخرج له متابِعًا فذلك وإن رَفَعَ التفردَ لكن احتمال الرواية بالمعنى قائم بَعد، ثم الشيخ رحمه الله تعالى عَدَل عن هذا الجواب لذلك، وذهب إلى أنه يروى بالشك: والإِمام يخطبُ تارة، أو قد خرج أخرى. وظاهرٌ أن الإِمام إذا كان في إِبانِ الخروج يسع له أن يأتي بالركعتين، ويتجوز فيهما. ثم إنك تعلم أن مسائلَ الأئمة تكون ملائمة ومتناسبة فيما بينهما، ولا تكون من باب الجَمْعِ بين الضب والنون فالشافعي رحمه الله تعالى لما خَفَّف أَمر الإِنصات في الخطبة، خفف الاستماع في الصلاة أيضا. وحينئذٍ ساغ يوسع بهاتين الركعتين أيضا، بخلاف الحنفية. فإِنهم ضَيَّقوا في تلك المواضع كلها، فلا يليق لهم التوسيعُ بهما ولا يأتي هذا على مسائلهم، وهو الملحَظ في اختيار صفة صلاة الخوف، فإِن الأحاديثَ صحَّت فيها على الوجوه كلها، لكن الحنفية اختاروا منها ما لا يخالفُ مَوضِعَ الإِمامة وإن احتاج إلى الحركات الكثيرة والشافعية لم يبالي بذلك فجوزوا تَقَدمَ فراغ المقتدي عن إمامه. فاختاروا صفة ناسبت مسائلهم. وهكذا صنيعُنا وصنيعُهم في مِثل هذه الأبواب. فليس هذا أول قارورةِ كسرت ليتعجب منه. ومن هذا الباب الفاتحة، ورَفْع اليدين في صلاة الجنازة فمن اختارهما في الصلاة المطلَقة اختارهما في صلاة الجنازة أيضًا كالشافعية ومَن تركهما في المُطلقَة تركهما في صلاة الجنازة أيضًا. فتلك سلسلة المسائل فتدبر وأمعن النظر فيه، والله تعالى أَعلم.