للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

المِزّي الشافعي وابن تيمية بكونه تَصْحِيفًا من الكاتب. والصواب: «قبل أن تَجْلِس».

قلتُ: كيف يُحْكم عليه بالتَّصْحِيف مع أن الإِمام الأَوْزاعي، إِسحاق بن رَاهُويه رحمهما الله تعالى بَنَيا عليه مذهبهما، فذهبا إلى أَنه يصليهما في البيت وإلا ففي المسجد، وإن دخَل الإِمام في الخطبة. وقد مرَّ معنا أن الحديث إذا ظهر به العملُ انقطع عنه الجدل. ثم رواية جابر رضي الله عنه ومَذْهبُه كما في جزء القراءة أنه كان يصلِّي بهما في المسجد وإنْ خطب الخطيب، وإن كان قَدْ صلَّى في البيت.

وهذا يدل على صِحَّة لفقظ: «قبل أن تجيءَ»، لأن قوله ذلك ناظر إلى لفظ: «قبل أن تجيء»، يعني به أَنه لا يقتصر عليهما في البيت، بل يصلِّيهما في المسجد أيضًا على سُنَّة سليك، وإن لم يكن مذهبه كمذهبنا.

ثمَّ سؤالُه عن الركعتين إنما يتأَتَّى إذا كان عن السُّنةِ القَبْلية، أما عن تحية المسجد فإِنه حَضَر بمرأَى عينيه ولم يُصَلِّ فما معنى السؤال؟ اللهم إلا أن يقال إِنه لم يقع بصرُه عليه ابتداءً، فإِذا رآه سئل عنها. وأَوَّله الحافظ بأن المرادَ منه قَبْل أن تجيءَ من ذلك المكان إلى هذا المكان، فإِذن السؤالُ عن الصلاة في المسجد دون البيت. قلتُ: وهو غَنيُّ عن الردِّ. بقي القول: فجوابه أن الدَّارقطني (١) تَتَبَّعَ على «الصحيحين» في عدة مواضعَ، وتتبَّع على البخاري في


(١) قلت: وقد أخرج له الحافِظُ رحمه الله تعالى متابِعًا فانتفى التفرُّدُ وارتفع الشذوذُ، ولكن مَعَ ذلك لا يبلغ ما هو المشهور فيه، أعني كونه قصة سليك رضي الله عنه. ثُمَّ جاء بعض الرواة فذكر معها الحديثَ القولي أيضًا في سلسلة واحدة. أعني أنه كان عنده قِصَّةُ سُلَيك رضي الله عنه، وكان قد بلغته تلك الروايةُ بالمعنى أيضًا، فحمله على أنه حديث فألحقه بها على نحو استدلال، لا أنهما حديثان مستقلان ونظيرُه أيضًا في الأحاديث: فإِن الرواةَ يكون عندهم حديث ثم يستشهدون عليه من آيته في سنن واحدٍ، وُيتوهم منه أنه مرفوعٌ مع أنه لا يكون غيرُ خَفي على الممارس. وكذلك قد يكون عندهم حديثان من باب واحد أو من بابين ثم يروونه في سلسلة واحدة ويتوهم منه كونه حديثًا واحدًا ويُفْضِي إلى الاضطراب. ونظيرُه حديثُ عُبادة، فإِنه روى قصة المنازعة، ثُم ذكر معها حديث: "لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحةِ الكتاب"، مع أنه كان حديثًا مستقلًا، وتقريرُه وتحقيقُه في مَوْضِعه معلوم، وهكذا حديث أَبي هريرة رضي الله عنه في سؤال تلميذه إني أكونُ وراء الإِمام فقرأ عليه: "قسمتُ الصلاةَ بيني وبين عبدي نِصْفين فإِنهم اتفقوا على أَنهما حديثان".
وبالجملةَ مَنْ يجَرب تصرفات الرواة لا يستبعد ما قلنا، وبعدُ فليس في مِثل تلك الأمور إلا حكم الوُجدان، وهو القول الفَصل عند الاختلاف، ويؤيده ما ذكره أبو الوليد بن رشد أن قوله - صلى الله عليه وسلم - "إذا جاء أَحدكم والإِمام يَخْطب" ... إلخ. أخرجه "مسلم" في بعض رواياته. وأكثر رواياتِه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمَر الرجلَ الدَاخِلَ أَن يَركع، ولم يقل: إذا جاء أحدكم" الحديث. فينظر إلى هذا الخلاف في أنه هل تقبل زيادة الراوي الواحد إذا خالفه أصحابهُ عن الشيخِ الأوَّل الذي اجتمعوا في الرواية عنه أم لا؟ اهـ. "بداية المجتهد".
ثم القرينة عليه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لو كان قاله في تلك القصة فَلِم أمسك الخطبة إِذن؟ فإِن سُنة التحية حينئذ أن تؤدَّى خلال الخطبة أيضًا، فلا حاجة إلى الإِمساك مع ثبوتِه قطعًا. فاتضح بِفِعل النبي - صلى الله عليه وسلم - نفسه وأَمرِه بالإِنصات أَن حال الإِمام مع المستمعين على أَحَد هذين الوَجهَين: إِما أن يَقطع المستَمِع صلاتَه اْو يُمسِك الإِمامُ خطبتَه، ولذا لما أَمر النبي - صلى الله عليه وسلم - سُلَيكا رضي الله عنه أن يصلِّي الركعتين أَمسَك خطبتَه. ولما كان مِن سُنَّة الإِمام يومَ الجمعة أن يَخطب، =

<<  <  ج: ص:  >  >>