(٢) قلتُ: وقد نُوقش أن الصلاةَ بعد خروج الإِمام مكروهة عند أئمتنا. فالتأويلُ المذكورُ لا يجدي نَفْعًا. والجواب عندي والله تعالى أعلم بالصواب: أن وَضْع مسألتنا فيما يوجِبُ الاشتغالَ بالصلاة إِخلالٌ في فرْض الاستماع كما يُشعِر به تَعْلِيلُهم. قال الزيْلَعِي في "شرح الكنز" في تعليل مذهب الصاحبين: لهما أن الكراهيةَ للإِخلال بفَرْضِ الاستماع ولا استماع ههنا -أي في الكلام-، بخلاف الصلاة، لأنها تمتد ثُم قال من جانب الحنفية في عَدَم الفَرْق بين الكلام والصلاة، إن الكلامَ قد يمتدُّ فأشْبه الصلاة. اهـ. فدل على أن وَضْع المسألة فيما أخرج الكلام أو الصلاة في فَرْض الاستماع، وحيث لا إِخلالَ لا منع أيضًا. وليس في قصة الحديث شيءٌ من ذلك فإِن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان قاعدًا للخُطبة ولم يَخْطب بعد على لفظ "مسلم" أو أمْسَكَها -على لَفْظ الدارقطني- ثُم أمَه بالركعتين، وأيًّا ما كان، فلم يوجد منه الإِخلال ولا كان خشيةً لكونه أمْسَكَ خُطبته لأجْل ذلك. وأَوْضَحُ منه لفظ أحمدَ رحمه الله تعالى كما في العيني قال: "قُم فَصَلِّ، ثم انتظره حتى صلَّى"، فَفَرْقٌ بين مَنْ امسك له الإمام خطبتَهُ، ثم أمَرَهُ بالركعتين بنفسه، وحرَّضَ الناسَ ليتصدقوا عليه، وبين مَنْ جاء والإمامُ يَخْطُب. فلم يُلْق لقوله بالًا. وجعل يُقَدِّمُ وظيفتَه، واشتغل بالركعتين، فأين هذا مِن ذاك ولعل هذا هو الذي أراده القاضي أبو بكر بن العربي في "شَرْح الترمذي" حيث قال ما معناه: أنه لما تشاغل النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بمخاطبة سُلَيك سقط عنه فَرْضه الاستماع، إذ لم يكن منه حينئذٍ خطبةٌ لأجلِ تلك المخاطبة. وزعم أنه أقوى الأجوبة. وإنما وضعوا المسألةَ في الصلاة والكلام عند خروج الإِمام، لأنه لا يليق اليوم لأحد أن يُمسِك خطبته. والشيخ ابو الهُمام رحمه الله تعالى وإن صَّرح بجواز الكلام عند الحاجة إلا أني لا أرى أن يجيز بمجموع ما ورد في قصة سُلَيك رضي الله عنه. والشيخ قدس سره قد ضيَّق في الكلام أيضًا وقصره على النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ولم يناسب التوسيع وبالجملة لما أمن الرَّجُل من الإِخلال بالاستماع فقد انتفى عنه سببُ الكراهة وجازت له الركعتان مع قعود الإمام على المِنبر أما اليوم فإِنْ الإِمام يخرج للخطبة ولا يمهِل أحدًا أن يصلِّي شيئًا ولا ينتظر له، فتحقق الإِخلال، فظهر الجواب عن الشبهة إن شاء الله تعالى ولم يخالِف شيئًا مما في كُتُبنا ولله الحمد.