واختلفت الروايات في طوافه صلى الله عليه وسلّم يوم النحر، ولا سبيل في بعضها إلا إلى الترجيح، والأظهرُ أنَّه طافَه بعد الظهر، فأدَّاه بعضهم أنه أخره إلى الليل، كما عند الترمذي. ومن مارَس توسُّعات الرواةِ في التعبيراتِ لا يَستبْعِدُ منهم ذلك.
قوله:(كان يزور البيت أيام منى)، وهذا طوافه للنفل بعد يوم النحر. إما أنه طاف بين القدوم والإِفاضة أم لا؟ فنفاه البخاري، وأثبته البيهقي.
قوله:(وقال لنا) يعني أنه سمعه منه بلا واسطة، إلا أنه تأوَّل لضعفِ عنده.
قوله:(طوافًا واحدًا)، وأراد به ههنا طوافَ الإِفاضة، وهو الطّوافُ الثاني، فاختلف الرواة في مِصْدَاق هذا اللفظ عن ابن عمر، فجعل بعضهم مِصْدَاقه الطواف الأول، أي القدوم، وبعضهم طوافُ الزيارة. وحينئذٍ لم تبق فيه حجة للشافعية، فإنَّ الطوافَ الواحدَ عن الحج والعمرة هو الزيارة عندهم، ولم يتعين بعد أن أيهما المراد ههنا.
ولنا أن نقول: إن النبي صلى الله عليه وسلّم وإن طافَ لهما طوافين. إلا أنهما لم يكونا متميزين، أيهما عن الحج، وأيهما عن العمرة، لعدم تخلل الحِل بينهما، فعبَّرَ عنه الراوي هكذا، كأنه طاف لهما طوافًا واحدًا، أي لكل واحدٍ منهما طوافًا طوافًا. ولكنه جعل الواحد عن اثنين في العبارة، لعدم تميزهما في الحِسِّ. وبعبارة أخرى إن طوافَه الواحدَ كان عن الحج والعمرة، لعدم التميز، لا لعدم التعدد، فلو شئت اعتبرتَه عن الحج، فعلت، وإن أردتَ جعلتَه عن العمرة، فذاك أيضًا إليك.
والحاصل: أنه طاف لهما دَفْعة واحدة طوافًا. ونُوضح لك مزيد الإِيضاح: أن الذين أهلوا بالعمرة، ثم بالحج، وأحلوا في الوسط، كان طوافُهم للعمرة متميِّزًا عن طوافهم للحج، لتخلُّل الحِل في البين، فصح أن تقول: إن هذا للعمرة، وهذا للحج، ولا يصح أن تقول فيهم: إنهم طافوا لهما طوافًا واحدًا، بخلاف القارنين، فإِنهم أهلوا بالحج والعمرة معًا، ثم يُحِلوا في الوسط حتى طافوا طواف الزيارة، فلم يتميز طوافهم للحج عن طوافِهم للعمرة.
وإذا لم يتميز في الحسّ أحد الطوافين عن الآخر، عبَّر عنه الراوي بالطواف الواحد، فهم فهموا أنه طاف لهما طوافًا واحدًا حقيقة، ونحن فهمنا أنه طاف طوافًا لكلٍ منهما، ولكنه لم يتميَّز في الحِسِّ، فعبر عنه الراوي كذلك. وبعبارة أخرى هم جعلوا الطواف الواحدَ مسألة،