واعلم أن الزكاة في الفقه: في السوائم، ومال التجارة، والنقديْن، فحسب. فاعتبروا النمو بنحويه: أعني حقيقة، أو تقديرًا. فالنقد هو النَّماء كله، بخلاف العُروض، فليس النماء فيه إلا بنية التجارة، وهو النماء الحكمي. ويُعلم من الأحاديث أنَّ في المال حقوقًا واجبةً أخرى، إلا أنها منتشرة، كما يدل عليه قوله:«ومن حقها أن تُحلبَ على الماء»، وبوّب عليه الطحاوي أيضًا.
والعلماء بحثوا في وجوب حقِّ غير الزكاة، فأنكره الأكثرون، وهو عندي ثابت، إلا أنه غير متعيّن، فهو إما من ملحقات الزكاة، أو يجبُ عند الحوائج، ولو ادَّعيت أن إطلاقَ الزكاة إنما كان على مجموع ما عليهم من الزكاة، وتلك الحقوق، فلا بعد أيضًا.
ثم إنهم ماذا يقولون في الآيات التي نزلت في الزكاة بمكة، مع اتفاقهم على أن الزكاة فرضت بالمدينة؟ وهل المخرَجُ عنها إلا بأنها كانت منتشرةً بمكة، وأُطلق عليه لفظ الزكاة، ثم ماذا يقولون في الآيات التي وردت في ذم البخل؟، وهل البخلُ يقتصرُ على عدم أداء الزكاة، فإن كانت الزكاة واجبة بمكة، وأُطلقتْ على الحقوق المنتشرةِ أيضًا، وكان البخلُ على عرْفهم لا على منعِ الزكاة فقط، ثبت أنَّ في المالِ لحقوقًا سوى الزكاة أيضًا، أي الزكاة المصطلحة، وأن الامتناع عن تلك الحقوق أيضًا بخل، وجالبٌ للوعيد، وحيئذٍ يَخرُجُ غير واحدٍ من الآيات عن التأويل، ولم تبق حاجةٌ إلى حملها وقصْرِها على منعِ الزكاة فقط (١).
١٤٠٢ قوله:(شاة يحملها على رقبته)، وهو السنة في السارق في بلدتنا، فإنه يُجاء به
(١) يقول العبد الضعيف: وهكذا فعلوا في لفظ الإِنفاق، فقصروه على الزكاة فقط، مع أنَّ اللفظ عامٌ لجميع سُبُلِ الخير، وليس مدح المؤمنين في قوله: {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} على أداءِ الزكاة فقط. وهل كان فيهم من وجبتْ عليه الزكاة إلا قليل؟، بل على الإِنفاق في سُبُل الخير كلها. ويقابله الإِمساك، وهو المسمى بالبُخل، فالإِنفاق والإِمساك على طرفي نقيضٍ من الذمِ والمدح، لا اختصاص لهما بمنع الزكاة وأدائها.