للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

جواب الحَيْعَلة يُشْبه الاستهزاء، فليس بشيءٍ، لأنه في جملة الكلمات كذلك إن أراد بها الاستهزاء، والعياذ بالله، وإلا فهي كلمات خيرٍ أُرِيْدَ بها الشركة في العمل لينال بها الأجر، فإنها نحو تلافٍ لما فَاتَه من الأذان، فلا بدَّ أن يعمل بعمله ليشترك في أجره. وأمَّا ما يفعله الناس من الصلاة عند الشهادتين، فلم يَرِد به الحديث، وإنما يفعلونه عملا بالأحاديث العامة التي وَرَدَت فيها الصلاة عند ذكر اسمه المبارك، ولا يَدْرُون أن الشرعَ قد راعاه بنفسه، فوَضَع الصلاة عَقِيب الأذان قُبَيْل الأدعية المأثورة لهذا، بل فيها فضيلتان، فإن الصلاةَ قبل الدعاء أيضًا سنةٌ، ولا يُرْفَعُ الدعاء إلا بها، فبالصلاة عَقِيب الأذان يحصل الأمران. وكذلك لا أصلَ (١) لتقبيل الإبهامين عند الشهادتين كما شرع في بلادنا إلا أثرٌ أخرجه القاري، عن أبي بكر رضي الله عنه في «الموضوعات»، لكنه ضعيفٌ يَقْرُبُ المُنْكرَ. ثم لا يِخْفى عليك أن جواب الأذان إنما شرع لكلَ لفقدان العلامة بين المؤذن والمجيب، بخلاف الإمام والمقتدي، فنهى المقتدي عن القراءة في الجهرية. واستحب للمستمع أن يُجِيْبَ الأذان مع جهر المؤذن، فادْرِ الفرق بينهما. وما عن الحَلَواني أن الإجابةَ واجبةٌ، محمولٌ على الإجابة الفعلية، وجاءت روايات في إجابة الإقامة أيضًا مع قوله: أقامهما الله وأدامهما عند صيغة الإقامة، إلا أن أسانيدها ليست بذاك (٢).


= "فقولوا مثل ما يقول المؤذن" على أن المثل في الحَيعَلة هو الحَوْقَلة، كما في روايات عند مسلم، وليس كذلك، بل المثلية في الحَيعَلة أيضًا كما في سائر الكلمات. كيف وفي "السعاية" عن "مسند أبي يَعْلَى" مرفوعًا: "إذَا نادى المنادي، فُتِحَت أبواب السماء، واسْتُجِيبَ الدعاء، فمن نزل به كَرْبٌ أو شدةٌ، فليتحيَّن المنادي: إذا كبَّر كبَّر وإذا تشهَّد تشهَّد، وإذا قال: حيَّ على الصلاة، قال: حيَّ على الصلاة. وإذا قال: حيَّ على الفلاح، قال: حيَّ على الفلاح" .. إلخ.
وروى الطبراني في كتاب الدعاء مثل حديث أبي يَعْلى، وقال: صحيحُ الإسناد، ولكن نَظَرَ فيه لضعف أبي عابد، فقد يُقَال: هو حسنٌ، ففيه دليلٌ على أن الحَيعَلة في جواب الحَيعلة أيضًا صورة مستقلَّة، ولذا اختار الشيخ ابن الهُمَام رحمه الله تعالى الجمع بين الجوابين. وذكر الكَرْب والشدَّة ليس لأن الجواب اختصاصًا به، بل لكون الوقت وقت الإجابة، والمكروب أحوج إليه. فالمكروب وغيره في الجواب سواء فاحفظه، فإني أدركت الرواية المذكورة بعد جدٍّ واجتهادٍ، والناس قد بَحَثُوا في المسألة، ولم أر أحدًا منهم أتى بتلك الرواية إلَّا هذا الحَبْر في "السعاية".
(١) وقد بَحَثَ فيه مولانا عبد الحي رحمه الله تعالى في "السعاية" مبسوطًا، فراجعه.
(٢) قلتُ: قال السِّنْدِي على النَّسَائِي: ثم طريق القول المروي: أن يقول كل كلمة عِقَب فراغ المؤذِّن منها، لا أن يقولَ الكلَّ بعد فراغ المؤذِّن من الأذان. اهـ. وقال النوويُّ: فمن كان في صلاةٍ فريضةٍ أو نافلةٍ، فَسَمِعَ المؤذِّنَ، ولم يوافقه وهو في الصلاة، فاذا سَلَّم أتى بمثله. ولو سَمِعَ الأذان وهو في قراءة أو تسبيح أو نحوها، قَطَعَ ما هو فيه، وأتى بمتابعة المؤذِّن. واختلفوا أنه هل يقوله عند سماع كل مؤذِّن، أم لأول مؤذِّن فقط؟! اهـ مختصرًا.
وفي "البحر": لم أر حُكْمَ ما إذا فَرَغ المؤذِّن ولم يتابعه السامعُ: هل يجب بعد فَرَاغِه؟ وينبغي أنه إن طال الفصل لا يُجِيب اهـ. وحقَّق مثله ابن عابدين نقلًا عن "شرح المنهاج" لابن حجر، وبسط فيه مولانا عبد الحي رحمه الله تعالى، فليراجع "السعاية". واعلم أني آتيك بهذه النقول، لأنك ربما تحتج إليها عند الإفتاء أو العمل، فتجدها حاضرةٌ بين يديك وتَصلَنِي ولو بكلمةٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>