وذكر الحافظ في "الفتح": أنه ناظر واحدًا من المبتدعة، فلم يمضِ عليه شهران إلَّا مات، وكان الحافظ بأهله. ولم أدرِ أنه ماذا كان النزاع، ولم يذكر الحافظ اسم هذا المُبتَدِع، ثم تبينَ لي من "الخارج" أنه كان من غُلَاة معتقدي الشيخ الأكبر رحمه الله تعالى. وبالجملة كنتُ أقمتُ إلى نحو خمس عشرة سنة على ما حقَّقَه ابن الهُمَام رحمه الله تعالى، فاجمع بينهما في جواب الأذان، ثم تحقَّقَ لديَّ أن مراد الشرع: هو التخيير دون الجمع وهو السنة في باب الأذكار، وليس الجمعُ إلَّا رأي ابن الهُمَام والشيخ الأكبر. وعند مسلم: "وأنا وأنا" في جواب الشهادتين. وكذا وَرَدَت الصلاة عَقِبَ الأذان قبَيْل الدعاء، والأفضل فيها ما وَرَدَت في الصلاة وإن تركها الناس في الخارج. ثم إن قوله: "إنك لا تُخْلِفُ الميعاد" لم يَثْبُت في النسخ المتداولة، وهو نسخة كريمة بنت الأحمر. والوسيلة: منزلةٌ في الجنة كما هو مُصَرَّح عند مسلم وليس الدعاء لأجل تردُّد في حصولها له، بل لنيل حظ الشفاعة لنفسه، فإنها تُجَسِّدُ الشفاعة، كما أن الحوضَ يُجَسِّدُ الشرع، والصراط يُجَسِّدُ الصراط المستقيم، فمن يدعو بهذه الدعوة ينال حظَّه من شفاعة النبي - صلى الله عليه وسلم -، هذا ما عندي، ولست أقلِّد في العقليات أحدًا، بل في الفنون كلها إلَّا الفِقهِ، فإنه لا حظَّ لي فيه غير النقل، فإنه باب صعب، وإن كنت لا أقلِّد فيه مَن يُتبِعُون قولهم: "به يُفْتَى" فقط. فإن الفتوى قد تكون في الطرفين، ولكنهم لقصور نظرهم لا يكون لهم علمٌ بطرف آخر، ولكن أُرَاعِي في ذلك الأحاديث والأئمة. فإن روايات الإمام إذا تعدَّدت ووافق الحديث إحداها، وكذلك إذا التأَمَت مع أقوال سائر الأئمة، فهي تكون أرجح عندي وأَوْلى. وأمَّا الفنون العقلية، فأنا أعلم بها من ابن سِينَا، فإنه لا علم له إلَّا بمذهب أرسطو، بل لا علم له به أيضًا، فإنه لا ينقل عنه إلّا من تلميذ واحد، مع أن تلامذته كثيرون، وفي نقلهم مذهبه اختلافٌ عظيمٌ، فبعضهم يقول: إنه كان قائلًا بحدوث العالم، والآخر يقول: بقِدَم العالم. ومذهب أرسطو: أنه لا هَيَّولَى في الأفلاك، وما أثبته ابن سِينَا من الهُيُّولى في الأفلاك، ثم نَسَبَه إلى أرسطو فهو غلطٌ، بل هو من مخترعاته؛ هكذا في تقرير الفاضل عبد العزيز من كلام الشيخ. وقد سمعت أكثره من شيخي، غير أني لم أجده في مذكرتي من هذا الموضع. (١) واعلم أن بعضهم زَعَم أن في الجواب صورةً واحدةً، وهو الحَوْقَلة في جواب الحَيْعَلة، وحَمَل قوله: =