للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ «مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ وَالصَّلَاةِ الْقَائِمَةِ آتِ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِى وَعَدْتَهُ، حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِى يَوْمَ الْقِيَامَةِ». طرفه ٤٧١٩ - تحفة ٣٠٤٦

والمسنون في هذا الدعاء ألا تُرْفَع الأيدي، لأنه لم يَثْبُت عن النبيِّ صلى الله عليه وسلّم رفعها، والتشبُّث فيه بالعمومات بعدما وَرَدَ فيه خصوصُ فعله صلى الله عليه وسلّم لغوٌ، فإنه لو لم يَرِد فيه خصوصُ عادته صلى الله عليه وسلّم لنفعنا التمسُّك بها، وأمَّا إذا نُقِلَ إلينا خصوصُ الفعل، فهو الأُسْوَةُ الحسنة لمن كان يرجو الله والدار الآخرة، وينبغي لمن أراد أن يستنَّ بسنة النبيِّ صلى الله عليه وسلّم أن يكتفي بتلك الكلمات، ولا يزيد عليها، إلا ما ثَبَتَ في نسخة الكُشْمِيهَني من زيادة: «إنك لا تُخْلِف الميعاد» في آخره، قاله ابن دقيق العيد، وعند البيهقي أيضًا (١).

وأمَّا زيادة: «والدرجة الرفيعة» بعد قوله: «والوسيلة والفضيلة». فلم تَثْبُت عندي في حديثٍ، فلا يُزَاد بها، لأنها زيادةٌ في خلال الكلمات، وَمَنْ كان لا بدَّ له أن يَزِيْدَ في تلك الكلمات، ففي الآخر كما ثَبَتَ عن ابن عمر رضي الله عنه: «أنه كان يزيد في تلبيته في الآخر: «لبيك وسعديك» ... إلخ.

٦١٤ - قوله: (الوسيلة): ورأيتُ في روايةٍ: «أن طُوْبَى شجرةٌ في وسط الجنة، وفي سائر الجنة منها غصنٌ غصن». وبعده فيها ألفاظ يُتَبَادر منها أنها هي الوسيلة، فهذه عندي تُمَثَّل بعلائق الأمة بالنبيِّ صلى الله عليه وسلّم وعلى هذا، فدعاؤه للنبيِّ صلى الله عليه وسلّم ليس لنفع النبيِّ صلى الله عليه وسلّم بل فيه خيره، وهو استيفاء حظِّه من شفاعته صلى الله عليه وسلّم ولذا قال في آخره: «حلَّت له شفاعتي»، فلدعائه دَخْلٌ في حلول شفاعته. وما نُقِلَ عن بعض المشايخ: أن دُعَاءَ الوسيلة تمَّ عليه، وحَصَل له هذا المقام في زمانِهِ، فهو عندي مصروفٌ عن ظاهره، لأن حصولَ هذا المقام للنبيِّ صلى الله عليه وسلّم ليس مرهونًا بدعاء أحدٍ من أمته، بل هو مقطوعٌ به، والدعاء منا لاستيفاء (٢) حظ الشفاعة منه.

قوله: (مقامًا محمودًا)، ولعلَّ المقَام خارج الجنة في المحشر، والوسيلة داخلها، والله سبحانه أعلم.

وصفته بالموصول لكونه علمًا. ثم إن النبيَّ صلى الله عليه وسلّم له اختصاصٌ بالحمد، فاسمه محمد، ولواؤه لواء الحمد، ومَقَامُهُ محمودٌ، وأمته الحمَّادون، وتُلْقَى عليه في ذلك المقام مَحَامِدُ لا تَحْضُرُه الآن. وخاصة تلك الكلمات: أن يَحْيَى بها وجهُ الرحمن. وقال الشيخ


(١) وفي "السعاية": زاد البيهقي في روايته: "إنك لا تُخْلِفُ الميعاد"، وقال ابن حجر الهيثمي في "شرح المنهاج": كما نقل عنه ابن عابدين زيادة: "والدرجة الرفيعة"، وختمه بـ: "يَا أرحم الراحمين"، لا أصل لهما. وفي "مرقاة المفاتيح": أَمَّا زيادة: "والدرجة الرفيعة" المشتهرة على الألسنة، فقال السَّخَاوي في "المقاصد الحسنة": لم أره في شيء من الروايات، وتمام البحث في "السعاية".
(٢) ونحوه ما ذكره ابن العربي في الصلاة قال: فائدة الصلاة عليه ترجع إلى الذي يُصَلِّي عليه لدلالة ذلك على نصوع العقيدة، وخُلُوص النية، وإظهار المحبة، والمداومة على الطاعة والاحترام للواسطة الكريمة - صلى الله عليه وسلم - كذا في "الفتح".

<<  <  ج: ص:  >  >>