للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ثم إنه يَنْوِي عند الإِعادة تلك الصلاة بعينِها، وتقع عنه نفلا، لا أنه يَنْوِي النفل أيضًا، كما قاله به بعض الحنفية. فإن الطحاويَّ قد صرَّح في مواضعَ من كتابه: أن المذهب عندنا هو الإِعادة. نعم، تقع نفلا، لأنه قد أسقط عنه الفرض بصلاته مرَّةً، وسنوضحه في حديث مُعَاذ بن جبل رضي الله عنه إن شاء الله تعالى، فاحفظه، فإنه ينفعك في مسألة إعادة الصلوات.

قال الحنفيةُ: إن مَنْ صلَّى مرةً ثم أدركته الجماعة، فإنه يعيدها إلا الفجر والعصر. وذهب الشافعيةُ إلى الإِعادة في الصلوات الخمس. قلت: وإن كانت الإعادة في كتبنا في الثلاثة فقط، إلا أن نفسي قد تتحدَّث بجواز الإعادة في الخمِيس (١). والله تعالى أعلم.

٥٩٧ - قوله: (أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي) واسْتَشْكَلَ مناسبتَه بما قبله. قلتُ: والآية وإن وردت في موسى عليه الصَّلاة والسَّلام، إلا أن النبيَّ صلى الله عليه وسلّم تلاها ههنا على معنى أن الصلاة للذكر، والذكرُ غير موقَّت. فالصلاة إذا صارت قضاءً، انتقلت إلى شاكلةِ الأذكار، وبقيت غير موقَّتة مثلها، فلا يُتوهَّم أنها كانت موقَّتة بالوقت، فإذا ذهب الوقت، فلا قضاء لها.

ثم هناك دقيقةٌ: وهي أن القرآن كثيرًا ما ينتقلُ إلى ذكر الأذكار عَقِيب ذكر الصلاة، فهل تدري لِمَ ذاك؟ والسِّرُّ فيه: أنه يُشير إلى أنكَ إذا فَرَغْتَ عن الذكر الموقَّت، فعليك بِذِكْرِكَ السابق الغير الموقَّت: {فَاذْكُرُواْ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ} [النساء: ١٠٣]، ولعلَّه نحو تلافٍ لِمَا عسى أن يقع منه من التقصير في صلواته. ولذا لَمَّا فَرَغَ عن صلاة الخوف، قال: {فَإِذَا اطْمَأْنَنتُمْ فَأَقِيمُواْ الصَّلَاةَ} [النساء: ١٠٣] لينجبرَ به ما قد وقعَ من التقصير في صلاة الخوف، فإنه يكون فيها للإيابِ والذهابِ وغيرها. وقال تعالى: {فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُواْ اللَّهَ} [النساء: ١٠٣]، وقال تعالى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُواْ فِى الأْرْضِ وَابْتَغُواْ مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُواْ اللَّهَ كَثِيرًا} [الجمعة: ١٠].

وحاصلها: أن روحَ العبادة هو الذِكْرُ، وقد جعله الله في اختياركم، أمَّا الصلاةُ، فإنها موقَّتة، قد تكون وقد لا تكون، فإذا فَرَغْتُم منها، فادخلوا في وظيفتكم الأصلية المطلقة. ومحصَّلُه: أنك إذا لم تكن عندك من وظيفتِك الموظفة، فاشغَلْ أوقاتك بذكر الله. وراجع كلام الشاه ولي الله رحمه الله تعالى من «شرحه على الموطأ» (٢).


(١) قلتُ: وفي تقرير الفاضل عبد العزيز من كلام الشيخ: أن حمله على الاستحباب إنما يُسَوَّغ في الصلوات التي تجوز فيها الإعادة عندنا. أمَّا في الفجر فمطلقًا، وفي العصر بعده فلا، قلتُ: ولعلَّ هذا بالنظر إلى المذهب، فلا تَعَارُض.
(٢) واعلم أن هناك فائدةَ نبَّه عليها القاضي في "شرحه على الترمذي" -عارضة- وثَبَتَ في الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - النوم عن الصلاة ثلاث مرات.
إحداها: الحديث الذي رواه أبو قَتَادَة، ولم يَحْضُر مع النبي - صلى الله عليه وسلم - أبو بكر وعمر رضي الله عنهما.
الثانية: رواها عِمران بن حُصَينٍ، حضرها أبو بكر وعمر رضي الله عنهما، واستيقظ أبو بكر رضي الله عنه أوَّلَهما وكبَّر عمر رضي الله عنه.
الثالثة: رواها أبو هريرة رضي الله عنه، كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أولهم استيقاظًا، وحَضَرَها بلالٌ رضي الله عنه، وأبو بكر رضي الله عنه. رواه مالك وغيره، ويحتمل أن تكون قِصة أبي قَتَادة، فتكون اثتين اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>