للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قلتُ: ولعلَّهم أَخَذُوهَا من قوله تعالى: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٨٢)} [يس: ٨٢]، والمشيئةُ عندي ما به تَحْصُلُ الشيئية في الشيء، فإذا أراد اللهُ أن يُلْبِسَهُ لباسَ الوجود جاء التكوين، وقال له: كن. ففي الآية ما يُشِيرُ إلى أن الشيئيةَ في الشيء تكون مقدمةً على تكوينه.

وبالجملة القدرةُ والإِرادةُ إذا تعلَّقتا بجانبي الشيء، ولم تُفِيدَا فعلية وجوده، احتاج إلى صفةٍ تكون منشأ للفعلية، وهي التكوين. فإِذا أراد الفعلية، قال له: كُنْ، أي جاء التكوين فَأَوْجَدَهُ. ثم إن تلك مراتب عقلية، لا أنه يتخلَّل بين ذلك زمان، ولكنه إذا أراد شيئًا لم يتخلَّف عنه مراده طرفة عين (١).

فالصفاتُ عند علمائنا، كما في «الدر المختار» في باب الإِيمان على نحوين: صفات ذاتية، وصفات فِعْليَّة: والأولى ما تكون هي صفة الله تعالى دون ضدها، كالعلم، فإنه صفةُ الله تعالى، وليس ضده - أعني الجهل - صفةً له تعالى. وكذلك الحياة، فليس الموت من صفاته تعالى. وهكذا فليقس عليه سائر الصفات. والثانية ما هي صفةٌ تعالى وكذلك أضدادها، كالإِحياء، فإن ضده الإِماتة، وهو أيضًا صفةٌ له تعالى. والصفاتُ بنحويها قديمةٌ، ذاتيةً كانت أو فعليةً. نعم تعلُّقاتها حادثةٌ.

فهناك ثلاثةُ أمورٍ عند الأشاعرة، وأربعةٌ عند المَاتُرِيدِيَّة: الذات، وصفاتها السبع، وهاتان بالاتفاق. أمَّا الصفاتُ الفعليةُ، فقال بها المَاتُرِيدِيَّةُ فقط، واستغنى عنها الأشاعرةُ، فقالوا: إنَّها ليست إلَّا تعلُّقات القدرة، وتلك التعلُّقات حادثةٌ عندهم. فالاثنان من الثلاث قديمةٌ عندهم، والواحد [حادثة].

أمَّا عندنا، فالصلاتُ الفِعْلِيّةُ أيضًا قديمةٌ، كالصفات الذاتية. نعم تعلُّقاتها حادثةٌ. فالمراتبُ أربعٌ، الثلاث منها قديمةٌ، والرابعة حادثةٌ.

ثم إن صفةَ التكوين هل هي مباديء الصفات الفعلية، أو القدرُ المُشْتَرَكُ بينهما؟


(١) قلت: وقد كنت سمعت من الشيخ أن مغزى الآية التنبيه على أن الله عز وجل لا يحتاج في أفعاله إلى المزاولة، بخلاف غيره من المخلوقات، فإنهم إذا أرادوا أن يفعلوا شيئًا لا بد لهم من القيام بأسبابه، ومزاولتها، وبعدها أيضًا لا يلزم أن لا يتخلف مرادهم، والله عز وجل إذا أراد شيئًا استغنى عن أسبابه والمزاولة بها، ولكن أمره إذا أراد، قال له: كن فيكون، بدون مباشرة الأسباب منه، مع لزوم المراد واستحالة التخلف عنه، كيف! وأن التأثير في الأسباب أيضًا ليس إلا من جهته تعالى، وهو القوي العزيز، فهذا معنى الآية على ما فهمت، والله تعالى بحقيقة الحال أعلم، وأنت أيضًا تفكر فيه تجد نورها إن شاء الله تعالى. ومن أراد البسط في تقرير هذا المرام، فليرجع إلى المكاتيب الشريفة للشيخ المجدد السرهندي رحمه الله تعالى، فقد بسط فيه بما لا مزيد عليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>