للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ذئب عنه قبل الاختلاط. وعلى هذا فالإِسنادُ حَسَن، ولو قلت: صحيحٌ، فأيضًا سائغ. وعند ابن أبي شيبة أيضًا: «فلا صلاةَ له».

وقد استدلَّ محمد رحمه الله تعالى في «مُوطئه» أن مُصَلَّى الجنائز (١) في عهد النبيِّ صلى الله عليه وسلّم كان بِجَنْب المسجدِ. فهذا دليلٌ قويٌّ على أن صلاةَ الجنازةِ ينبغي أن تكون خارجَ المسجد، حتى أَنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلّم لما بلغه نَعْيُ النَّجاشيّ خَرَج إلى خارج المسجد ولم يصلِّ فيه. ولم يَثْبُت عن النبيِّ صلى الله عليه وسلّم أنه صلَّى في المسجدِ إِلا مرةً أو مرتين.

وللشافعيةِ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلّم صلى على ابني بيضاءَ في المسجدِ. هكذا عند مسلم. وهو وَهْم فإِنَّ سَهْلا عاش بعد النبيِّ صلى الله عليه وسلّم وإنما هو سَهْلُ بن بيضاءِ. قال السَّرَخْسي في «المبسوط»: وفيه مِن تَطَرُّقِ الأَعذار ما لا يخفى نحو كونه معتكِفًا، أو لِعِلَّة المطر. بقِيت واقعةُ سعد بعد النبيِّ صلى الله عليه وسلّم فما تحصَّل لي فيها بعد التنقيح: أنَّ أمهاتِ المؤمنين إنما أَرَدْنَ الدعاءَ عليها فقط، فمرَّ بها مَنْ في المسجد وصلَّى عليه خارِجَ المسجد، فتسامح فيه بعضُ الرواةِ وعبَّروا عن دعائهنَّ في المسجد بما أَوْهم صلاتَه في المسجد، مع ثبوت الإِنكار من الصحابة، رضي الله تعالى عنهم عليها. هكذا يُستفاد من «الطبقات» لابن سعد (٢).

ثُم إنَّ البخاريَّ رحمه الله تعالى لم يخرِّج حديثَ ابني بيضاء، بل أخرج حديثَ النجاشي وهو حُجةٌ للحنفيةِ. وحينئذٍ وَسِع لي أن أقول: إنَّ البخاريَّ ذهب إلى مَذْهب الحنفيةِ. ولا تمسُّك في صلاتِهم على عمرَ وأبي بكر رضي الله عنهما في (٣) المسجد، فإِنَّهما قد دُفِنا في روضته الشريفة، ولم يكن الطريقُ إليها إِلا من المسجد، فلما رأوه أنه لا بد مِن إدخالهما في


= مُنكرات. ولكن ابنَ أبي ذئب سمع منه قبل أن يخرف. وقال العِجلي: صالح ثقة. وقال ابنَ عَدِي: لا بأس به إذا سمعوا منه قديمًا مثل ابن أبي ذئب، وابن جُرَيج، وزياد بن سعد، وغيره. ولا أعرف له قبل الاختلاط حديثا منكرا إذا روى عنه ثِقة. وقال ابن حنبل رحمه الله تعالى: ما أعلم بأسًا ممن سمِع منه قديمًا، اهـ. "الجوهر النقي".
(١) قلت: ومما يدُلك على أن للجنائز مكانًا مستقلا في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - ما في "المشكاة" في باب الإفلاس والإِنظار في الفصل الثالث بروايةِ أحمد عن محمد بن عبد الله بن جحش قال: "كنَّا جلوسًا بِفَناءِ المسجد حيث توضَعُ الجنانزُ، ورسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - جالسٌ بين ظهرانَيْنا" إلخ.
(٢) قلت: وراجعت "الطبقات" لابن سَعْد فإذا فيه: عن عائشةَ رضي الله عنها أنها أمرت بجنازة سعد بن أبي وقاص أن يمر بها عليها قال فمر بها في المسجد فبلغها أن الناس أكثروا في ذلك فقالت: ما أسرع الناس إلى القول، والله ما صلَّى رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - على سهيل بن بيضاء إلا في المسجد. من تذكرة سهيل بن بيضاء فلينظر فيه فإِني لم أجد فيه غيرَ هذا وإن كان هذا هو مراد الشيخ فتلك الرواية موجودة عند مالك في "موطئه" أيضًا عن عائشة أَنها أمرت أن يمرَّ عليها بسعد بن أبي وَقاص في المسجد حين مات لتدعو له إلخ. قلت: ففيه تصريحٌ بما رامه الشيخ رحمه الله تعالى، أمَّا ما أخرجه ابنُ سعد فليس فيه ذلك. فيمكن أن يكونَ أراد الشيخُ رحمه الله تعالى موضِعًا غيرَ هذا فلينظره.
(٣) وحديثُ الصلاة عليهما في المسجد أَخرجه ابن أبي شيبةَ في "مصنفه" كما في "شَرْح الأحياء" للزبيدي. أَما الصلاةُ على عمرَ رضي الله عنه فهي عند مالك أيضًا في "موطئه".

<<  <  ج: ص:  >  >>